ـ لو لم يتحدّث الصينيون والعرب في القمم التي استضافتها الرياض وقادتها على الجانب العربي تأسيساً لعلاقة شراكة استراتيجية مع الصين، كما قالت البيانات المشتركة الصادرة عن القمم الثلاثة، السعودية والخليجية والعربية مع الصين، فإن المترتبات السياسية كبرى.
ـ في زمن المتغيّرات الدولية التي أطلقتها تداعيات الحرب بين الشرق والغرب على جبهتي أوكرانيا وتايوان، كلّ اقتراب من روسيا والصين هو ابتعاد بنسبة موازية عن أميركا، خصوصاً بالنسبة للدول التي تحتسب تاريخياً ضمن المحور الدولي الذي تقوده واشنطن، والواضح انّ السعودية تعرف ماذا تفعل، فهي تمضي قدماً في التنسيق مع روسيا ضمن أوبك بلاس رغم ما تبلغته من غضب أميركي، وهي قامت بتنظيم هذه القمم مع الصين بصورة احتفالية بتعابير ذات سقف عال، وهي تعلم كمية الغضب الأميركي، ما يعني أنّ القرار متخذ على مستوى القيادة السعودية بتطبيق ما وصفه البيان السعودي عن القمم، بالشراكات المتعدّدة الأطراف وتنويع وجهات التعامل السياسي والاقتصادي دولياً.
ـ هذا القرار السعودي فالخليجي فالعربي، يعني تراجعاً في حجم القدرة الأميركية على التصرف بقضايا المنطقة باعتبارها ملكاً أميركياً حصرياً، وقد بات للموقف الخليجي والموقف العربي بقيادة السعودية هوامش مناورة أوسع من السابق بكثير، خصوصاً أنها تجرأت وخاطرت بالتصرف المنفرد في الشأن الأشدّ حساسية بالنسبة للأميركي وهو شأن الطاقة، كميات وأسواق وأسعار، وهي العناصر التي ترفعها الاستراتيجية الأميركية الى مستوى ملف أمن قومي يمتلك في صياغة السياسات والمواقف الأميركية في المنطقة مساحة تعادل المساحة التي يمتلكها شأن استراتيجي معلن آخر هو حماية أمن «إسرائيل» وضمان تفوقها.
ـ المترتب الثاني هو أنّ العلاقات الصينية مع إيران وسورية ومثلها العلاقات الروسية هي علاقات أكثر من إيجابية، بخلاف العلاقات السعودية، وبمعزل عن توقع مبادرات لتسويات، يكفي أن تصبح السعودية شريكاً على هذا المستوى مع الصين ومع روسيا، وهي تقود الموقفين الخليجي والعربي، كي لا تنضبط في تعاملها مع العنوانين الإيراني والسوري وفقاً للضوابط الأميركية، وهذا يعني تراجع منسوب التوتر السعودي تجاه هذين العنوانين حكماً.
ـ المترتب الثالث أنّ السعودية التي تقود الموقفين الخليجي والعربي وقد باتت أكثر حرية من السابق في رسم سياساتها، وهي تستشعر الطريق المسدود لخطة صفقة القرن والتطبيع، التي منحتها حظوظ النجاح وبات سقوطها يحدث يومياً في الأراضي الفلسطينية، سواء بظهور الانسداد السياسي من الجانب «الإسرائيلي»، وظهور العزيمة المقاومة من الجانب الفلسطيني، سوف تجد بالموقفين الصيني والروسي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني تحت سقف القرارات الدولية التي قامت عليها المبادرة العربية للسلام، مناخاً أقرب لما يتناسب مع المصالح السعودية من السقوف الأميركية المحكومة بالحسابات «الإسرائيلية»، دون ايّ مبادرة او أيّ أفق للمسارات التفاوضية.
ـ هذه التحوّلات تحتاج بعض الوقت للظهور لكنها سوف تصبّ الماء البارد على الذين يتموضعون في لبنان ضدّ المقاومة بصفتها نصيراً لفلسطين وحليفاً لسورية وإيران، فماذا عساهم يحتسبون لغدهم إنْ كانوا يعلمون ماذا سوف يكون بانتظارهم؟
التعليق السياسي
2022-12-10 | عدد القراءات 980