ناصر قنديل
– يعيش اللبنانيون وهم الاعتقاد أنه عندما يكون لبنان في أزمة، فما اجتمع زعيمان أو وزيران في المنطقة أو العالم إلا ويكون لبنان ثالثهما، أما عندما يكون هناك لقاء أوسع وعلى مستوى القمة فلا بد أن يكون لبنان الوجبة الدسمة على المائدة. وإذا لم تأت الأخبار بما يشير لهذا التوقع أو التمنّي، تبدأ التكهنات بالحديث عن مباحثات سريّة لإنضاج مبادرة سوف يحملها الموفدون قريباً الى بيروت، ولذلك ربما كان المتابعون لقمّة عمان التي عقدت تحت عنوان دول جوار العراق، بمبادرة أردنية فرنسية، من اللبنانيين أكثر من متابعيها من العراقيين الذين كانت مخصّصة للبحث بوضع بلدهم، وقد زاد بحماسة اللبنانيين وجود حضور سعودي إيراني في مرة من المرات القليلة التي تجمع الدولتين المؤثرتين في الأوضاع اللبنانية على ضفتين متقابلتين من جهة، والمشاركة الشخصية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يدأب على القول إنه يحمل معه الملف اللبناني في كل لقاءاته من جهة مقابلة.
– أولى خيبات القمة كانت بعدم مشاركة كل من السعودية وإيران على مستوى الصف الأول، بعد تحليلات وتكهنات توقعت أن يحضر كل من الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتمثيل كل من الدولتين بوزير خارجيتها. وثانية الخيبات جاءت بعدم ورود أيّ ذكر للبنان في البيان الختامي للقمة، بل غياب ذكر لبنان في كلمة أي من المشاركين في القمة بمن فيهم الرئيس الفرنسي الذي أشار بلغة عمومية الى أزمات العراق ولبنان وسورية كتعبير عن الحاجة لتعاون إقليميّ يحفظ الاستقرار. ولولا كلمة وزيرة الخارجية الفرنسية في المؤتمر الصحافي الختامي عن تشجيع اللبنانيين على الإسراع بانتخاب رئيس جديد، وهو كلام تقليدي تضمّنته بيانات صادرة عن اجتماعات أخرى، كالقمة الصينية العربية، ولم يترتب على ذلك أي شيء يوحي بوجود اهتمام دولي أو إقليمي بإطلاق مساعٍ لحل أزمة الشغور الرئاسي في لبنان.
– المشاركة الإيرانية في أي لقاء دولي أو إقليمي لا تشكل فرصة تفاوضية حول لبنان، ليس بسبب ضعف إيران، بل بسبب درجة قوتها، وتمسكها بقاعدة عدم التفاوض بالنيابة عن الحلفاء، خصوصاً حزب الله، وإذا كان الأميركي والسعودي يستطيعان التفاوض بالنيابة عن حلفائهما، فإن التفاوض على الطرف المقابل يجب أن يتم في بيروت، حيث ثلاثي مكوّن، رغم التباينات، من أطراف قرارها عندها ولا يملكه طرف خارجي، هي حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، ونظراً لكون منطلق البحث عن الدخول على الخط الرئاسي أميركياً يبدأ من القلق على أمن «إسرائيل» الذي يهدّده حزب الله بمقاومته، ولكون سعودياً مرتبطاً بالمصلحة السعودية التي تعتقد الرياض أن لحزب الله دوراً في التأثير عليها من موقعه في محور المقاومة، تصير المقاربة الأميركية السعودية، سواء عبر تفويض فرنسا أو من دونه، معنية بدق باب حزب الله، كما فعل الأميركيون في ترسيم الحدود البحرية عبر المحادثات الي قام بها وسيطهم عاموس هوكشتاين مع المسؤولين اللبنانيين، وهو يسأل في نهاية كل جولة تطرح فيها الشروط اللبنانية، أريد جواباً واضحاً: هل يعني القبول بهذه الشروط زوال تهديد حزب الله باستهداف منصات الغاز الإسرائيلية؟ وما لا يردده الأميركيون والسعوديون في دوائر القرار إن الشغور الرئاسي لا يهدد أمن «إسرائيل» كي يصبح قضية أولوية أميركية، ولا يصيب المصالح السعودية كي يتحول الى أولوية سعودية كحال اليمن، من جهة، وبالتوازي فإن التوصل الى تسوية رئاسية يعني اما القدرة على كسر حزب الله لصالح خصومه، وهذا فوق طاقة واشنطن والرياض، أو التفاهم معه، وهذا ليس على جدول أعمالهما.
– دعوة حزب الله للتوافق الداخلي بالمقابل لا تلقى تجاوباً من الخصوم، الذين يتباهون بعلاقتهم بكل من السعودي والأميركي، ويرون أن الاستحقاق الرئاسي هدية لا يجوز حجبها عن الحليفين الكبيرين، فينتظرون ما سوف توحي به اتصالات الخارج، ولبنان ينتظر بين خارج ليس جاهزاً للتفاوض مع حزب الله، وداخل ليس جاهزاً للتخلي عن انتظار الخارج.
– حتى إشعار لاحق لبنان خارج جدول أعمال أي قمة أو اجتماع على درجة مؤثرة دولياً وإقليمياً، ولكن أغلب اللبنانيين لن يتوقفوا عن الرهانات والأوهام، سواء بسبب بارانويا تتوهّم أن العالم يدور من حولها، أو بسبب التسليم بالعجز عن إدارة شؤون البيت، وعادة انتظار ما يطبخه الخارج.
2022-12-21 | عدد القراءات 890