ناصر قنديل
ــ بينما يلتقي الكثير من التحليلات والتوقعات على فرضية انفراج الأزمة الرئاسية ربيع العام 2023، منطلقة من فرضيات تتصل بالاتصالات الخارجية الجارية، وضغوط الوضعين المالي والاجتماعي، ثمّة فرضية مقابلة تقول بأن الانفراج سيتأخّر على الأرجح إلى ربيع العام 2024، وذلك بالاستناد إلى العاملين المذكورين، حيث يستبعد أنصار فرضية العام 2024 أن يتبلور تطوّر مؤثر في العلاقات الدولية والإقليمية خلال الشهور الفاصلة عن ربيع 2023، كما تستبعد أن يكون الوضع المالي والاجتماعي على درجة السوء والتراجع، وصولاً للانهيار الذي يجري الحديث عنه كمدخل لفرض تسريع إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
ــ يقول أصحاب فرضية العام 2024، إن الوضع المالي الداخلي ربما يشهد طوال العام 2023 أفضل سعر صرف للدولار مقارنة بالعام 2022، بعدما صار سعر الصرف هو الذي يقرّر درجة سخونة الوضع الاجتماعي، ويستند هؤلاء في كلامهم إلى أن سياسات المصرف المركزي المتواصلة كانت قائمة ولم تتغيّر ولن تتغيّر، ولكن تأثيراتها كانت محدودة في ارتفاع سعر الصرف الكبير في النصف الثاني لعام 2022، بعدما حافظ الدولار على سعر صرف بين 27000 و30000 ليرة خلال النصف الأول، وقفز تباعاً خلال النصف الثاني من الـ 30000 ليرة الى 45000 ليرة، أي بزيادة 50%، وتعيد المصادر المالية السبب الى الارتفاع الاستثنائي في فاتورة الاستيراد التي تمّ تمويلها عبر شراء الدولارات من السوق سواء لحساب مصرف لبنان الذي قام بتمويلها عبر المصارف أو مباشرة من المستوردين الذين لم يمروا بمنصة صيرفة، وبدلاً من استيراد غير نفطيّ دون الـ 8 مليارات دولار عام 2021، تجاوزت فاتورة الاستيراد رقم الـ 16 مليار دولار قبل نهاية العام 2022، والسبب كان نتيجة الإعلان المسبق عن نية رفع قيمة الدولار الجمركي ما دفع التجار للاستيراد الاستباقي على سعر دولار جمركي منخفض، بهدف تحقيق المزيد من الأرباح، والحصيلة واضحة وهي أن لدى التجار ما يكفي لمبيعات العام المقبل وأكثر على تسعير يعتمد السعر الجديد للدولار الجمركي. وهذا يؤدي لخفض الاستهلاك بمثل ما يؤدي لزيادة الأرباح، لكن نتيجته الأخرى هي انخفاض هائل في فاتورة الاستيراد، وما يرافقه من انخفاض الطلب على الدولار في الأسواق، مقابل تدفقات للتحويلات تزيد عن 8 مليارات دولار من المغتربين وحدهم، غير عائدات التصدير البالغة 4 مليارات دولار وتدفقات الاصطياف والأعياد التي تزيد هذا العام عن 5 مليارات دولار. ولا تستبعد المصادر المصرفية التي تؤيد هذا التحليل أن نشهد مجدداً صيف العام 2023، وربما بالتزامن مصادفة مع نهاية ولاية حاكم المصرف المركزي، سعر الـ 25 ألف ليرة للدولار.
ــ يعتقد أصحاب فرضية الـ 2024 أن المشهد الدولي والإقليمي سيكون في النصف الأول من العام 2023 أمام حشد أوراق القوة، حيث ستظهر اختبارات الغرب في الصمود أمام معركة الشتاء في أوروبا وتداعيات أزمة الطاقة مع مرور عام على بدئها في صيف العام 2022، ونكون أمام اختبارات موازية للجولة العسكرية الجديدة التي يجري التحضير لها على الضفتين المتقابلتين في حرب أوكرانيا، ونكون أمام حاصل اختبارات الرهان على الوضع الداخلي في إيران بحصيلة لا تقبل التأويل. والمعيار هو أن استمرار الاضطرابات شيء ونهايتها شيء، وعلى كل منهما تبنى مقاربة مختلفة للملف النووي الإيراني، وكذلك سيكون الملف الخاص بأكراد سورية وتركيا قد تبلورت وجهته الحاسمة بعد الانتخابات التركية الرئاسية حزيران 2023، وتكون قد سلكت الخطوات الروسية السورية الايرانية التركية طريق التنفيذ، وفرضت حضورها على مستقبل المقاربة الأميركية للوجود في سورية، كما تكون مسارات الحلحلة السعودية الإيرانية وعملية رسم أفق الحرب في اليمن قد سلكت طريقها، ما يعني أن خريف العام 2023 هو خريف التفاوض الخارجي الفعلي، وإن لم تظهر النتائج سريعاً في لبنان فقد تستغرق حتى ربيع العام 2024 للظهور.
ــ يعتقد أصحاب فرضية العام 2024 أن الرئيس المقبل سيأتي وأولى مهماته تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي، ربما يحسم اسمه ضمن التفاوض بالتوازي مع اسم الرئيس الجديد، وربما يكون ربيع العام 2024 موعداً للرئاسة إذا لم تنضج المفاوضات الدولية والإقليمية لتصل الى لبنان قبل نهاية العام 2023، متزامناً مع نهاية ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون، ويكون اختيار قائد جديد للجيش ضمن أولى مهام الرئيس الجديد، ويعتقد أصحاب هذه الفرضية أنه خلافاً لكل حديث عن تسوية تتضمن اسم رئيس جمهورية ورئيس حكومة، فإن الأرجح أن تتضمن التسوية، اسم رئيس الجمهورية ومقابله اسمي حاكم مصرف مركزي جديد وقائد جديد للجيش، وهما اسمان يحرص الأميركيون على الشراكة في تسميتهما أكثر من حرصهما على الشراكة في تسمية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، اللذين يفضل الأميركي ترك تسميتهما إلى حليفيه الفرنسي والسعودي وما تمليه التوازنات اللبنانية.
2022-12-23 | عدد القراءات 915