كتب المحرّر السياسيّ
كما استند مصرف لبنان إلى ودائع اللبنانيين في سياسة الحفاظ على سعر صرف ثابت خلال عقود تبدّدت معها هذه الودائع ووقع الانهيار الذي كان يزعم إبعاد كأسه المرة عن اللبنانيين بحماية الليرة من السقوط، يستند اليوم إلى تدفقات الاغتراب اللبناني الهادف لتلطيف حدة الأزمة على المقيمين، وهو يوظف موقعه الممسك بمفاصل اللعبة النقدية كي يطبع كميات لا محدودة من الليرات ويطرحها في الأسواق فيجمع الدولارات الوافدة ويموّل عبرها تحويلات إلى الخارج لحساب المحظيين والنافذين، وتجميع كتلة من العملة الصعبة تتيح له التدخل في السوق عند بلوغ نقطة حرجة في سعر الصرف بائعاً، فيبيع الناس دولاراتهم على سعر منخفض وهو يشتريها كالمنشار رابحاً على الطالع ورابحاً على النازل.
هكذا استفاق اللبنانيون على دولار يلامس سعر الـ 50000 ليرة، وباتوا على دولار يلامس سعر الـ 40000 ليرة فينخفض سعر الصرف خلال ساعات من 48 ألف ليرة إلى 42 ألف ليرة، والأسعار على حالها كما في كل مرة يرتفع سعر الصرف ويعاود الانخفاض، ولا رقابة ولا من يراقبون، رغم كثرة التصريحات والتحقيقات والدوريات المصورة تلفزيونياً.
سياسياً، شهدت عطلة عيد الميلاد حراكا لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، شمل لقاءات مع كل من النائب السابق وليد جنبلاط، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ورئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية، واللقاءات التي لم تحدث اختراقاً سياسياً لم يكن منتظراً منها، شكلت خرقاً في جدار الانسداد في طريق الحوار الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي توقعت مصادر نيابية أن تنتج حركة باسيل تموضعاً يتيح انضمام التيار إلى الموافقين على الحوار المجلسي بين رؤساء الكتل النيابية لبحث المأزق الرئاسي، وترجّح أن يؤدي تموضع التيار تموضعاً موازياً في موقع القوات اللبنانية لقبول المشاركة في الحوار ولو تحت وضع شروط مبدئية عمومية، تحت عنوان الدعوة لعدم تأثير الحوار على الممارسة الدستورية الواجبة لانتخاب رئيس جديد، ووفقاً للمصادر فإن الحوار الذي لا يتوقع منه إنتاج حلول سريعة يشكل انعقاده تلطيفاً للخطاب السياسي بين الخصوم من جهة، واعترافاً منها بأن المقاربة القائمة للملف الرئاسي لن تنتج رئيساً، بما يعني ضمناً الاستعداد للتخلي عن التمسك بأي مرشح طلباً للتوافق.
في المواقف أعلن رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي في اجتماع حزبي لقيادات الحزب التنفيذية أن الحزب متمسك بموقعه الى جانب سورية وقوى المقاومة، وواثق بقدرة هذا الحلف على إنتاج الانتصار، بالمزيد من الصمود والمواجهة، ومتمسّك بموقفه الداعي لتطبيق إصلاحات اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب وربط بناء الدولة بإصلاحات لم يتم تنفيذها وفي طريقها تحرير التمثيل الصحيح من القيد الطائفي، محذراً من إطالة أمد الفراغ الرئاسي وانعكاساته الخطيرة التي تعرّض الأمن الاجتماعي للانهيار والوحدة الوطنية للتصدع.
رأى رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين أسعد حردان أن تطوير النظام السياسي في لبنان لا يتحقق إلا بتطبيق المندرجات الإصلاحية في اتفاق الطائف بدءاً بإلغاء الطائفية وقانون للانتخابات النيابية خارج أيّ قيد طائفي وقانون جديد للأحوال الشخصية.
موقف حردان جاء خلال اجتماع للمنفذين العامين وبعض هيئات المنفذيات في لبنان عرض خلاله الخطوط العريضة للعمل الحزبي، وفقاً للخطة التي اتخذت السلطة التنفيذية توجهاً باعتمادها بعد إقرارها في المؤسسات.
وشدّد حردان على أن اللامركزية التي نص عليها الطائف مرتبطة بإنماء المناطق وليس بإقامة فدراليات مغلقة تبدأ بالأمن الذاتي والاقتصاد الذاتي ورفض العيش مع باقي المناطق.
وقال: «في كلّ مرة تتعرّض بلادنا للخطر ويتعرّض حزبنا للاستهداف يظهر معدن القوميين الأصفياء الذين ينبرون للدفاع عن الأرض وحماية الحزب لكي يبقى حزبهم فاعلاً وقوياً ومؤثراً»، لافتاً الى أن «كلّ قومي اجتماعي مؤمن بحزبه فكراً وعقيدة وقضيته لن يبقى خارج المؤسّسات… فحزبنا هو حزب المؤسّسات وكلّ عمل خارج المؤسّسات مجرد يافطات تشويش على الحزب وقضيته».
وأكد حردان أن «سورية وكلّ قوى المقاومة تخوض معركة مواجهة الحصار الاقتصادي وما لم يستطع الحلف المعادي تحقيقه بالحرب والفتن لن يستطيع تحقيقه بالحصار والتجويع»، داعياً الى «إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وانتخاب رئيس يومن بالثوابت والخيارات الوطنية، وأن يكون رئيساً لكلّ اللبنانيين وعلى كلّ اللبنانيين ولكلّ لبنان وليس رئيساً لطائفته ومنطقته، رئيس قوي يعمل لصون وحدة لبنان واللبنانيين ولتعافي لبنان من أزماته، ولتثبيت خياراته الوطنية والقومية».
وكان اللبنانيون تابعوا على مدار النهار حلقة جديدة من مسلسل «جنون الدولار»، فبعد أسبوع من الارتفاع القياسي ملامساً الـ48 ألف ليرة للدولار الواحد، دخل مصرف لبنان مجدداً على خط لجم العملة الخضراء، عبر تعميم أتاح بموجبه لجميع الأفراد والمؤسسات شراء الدولار عبر منصة صيرفة من دون حدود مع رفع صيرفة الى 38 ألف ليرة، ما أدى الى انخفاض السعر تدريجياً خلال ساعة واحدة الى حدود الـ42 ألف ليرة.
وأصدر مصرف لبنان بياناً أوضح فيه أن «ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي خلال فترة الأعياد والتي امتدت لمدة ثلاثة أيام ٢٠٠٠ ل.ل في السوق الموازية، ناتج عن عمليات مضاربة وتهريب الدولار خارج الحدود. وهذا الارتفاع سبّب تضخماً في الأسواق مما أضرّ بالمواطن اللبناني لكون الأسعار في لبنان ترتبط بسعر صرف الدولار. بناءً على ذلك وعلى أساس المواد ٧٥ و٨٣ من قانون النقد والتسليف تقرّر ما يلي:
أولآ: رفع سعر sayrafa ليصل إلى ٣٨٠٠٠ ل.ل.
ثانيًا: يشتري مصرف لبنان كل الليرات اللبنانية ويبيع الدولار على سعر Sayrafa ٣٨٠٠٠ ل.ل ويمكن للأفراد والمؤسسات ومن دون حدود بالأرقام، أن يتقدّموا من جميع المصارف اللبنانية لتمرير هذه العمليات. وذلك حتى إشعار آخر».
وأتبع سلامة بيانه الأول ببيان ثانٍ، أكد فيه على البيان الصادر سابقًا والذي سعّر من خلاله دولار منصّة «صيرفة» Sayrafa على ٣٨٠٠٠ ل.ل، موضحاً أن «مصرف لبنان سيقوم ببيع الدولارات على هذا السعر مقابل الليرات اللبنانية للأفراد والمؤسسات، من دون سقف لقيمة العمليات». كذلك أكد أن «ليس من شروط متعلقة بتنفيذ هذه العمليات والتي ستنفذ تلقائيًا حينما تتقدم المصارف اللبنانية من مصرف لبنان بالليرات اللبنانية وسيسلمها فورًا بالمقابل الدولارات. كما أن هذا القرار ساري المفعول اعتباراً من اليوم بالذات وحتى إشعار آخر». وأعلن أن «مصرف لبنان سيمدّد ساعات العمل بما يتعلق بالعمليات المذكورة حتى الساعة الخامسة مساءً من كل يوم عمل، وذلك حتى ٣١ كانون الثاني ٢٠٢٣».
وأشار خبراء اقتصاديون لـ»البناء» الى أن سبب ارتفاع سعر صرف الدولار يعود الى الكميات الهائلة التي طبعها مصرف لبنان لتلبية حاجات إنفاق الدولة من رواتب الموظفين وموازنات بعض الوزارات الحيوية، اضافة الى سلفة الكهرباء. اضافة الى الأزمة السياسية وانسداد أفق التسوية الرئاسية وتجميد عمل الحكومة وكل القوانين الإصلاحية، فضلاً عن مضاربات كبار التجار والصرافين الشرعيين وفي السوق السوداء، كما لا يمكن تجاهل أحد العوامل الاساسية لارتفاع الدولار هو تسهيل مصرف لبنان هذا الارتفاع لكي يسحب تدفقات الدولار من المغتربين والسياح خلال الأعياد، ثم يعمد الى خفضه بتعاميم غب الطلب ليعود لاحقاً الى لمّه وشرائه على سعر منخفض ثم بيعه على سعر مرتفع لاحقاً ما يحقق بعمليات الصعود والهبوط المتكررة أرباحاً طائلة.
وأحدث قرار سلامة صدمة في أسواق الصرف والاستهلاك وإرباكاً كبيراً للصرافين الذين امتنع بعضهم عن بيع وشراء الدولار، كما تعطّلت العديد من تطبيقات الدولار، فيما شهدت منطقة شتورا إشكالاً كبيراً بين الصرافين الجوالين على الطرقات.
2022-12-28 | عدد القراءات 870