ناصر قنديل
– اختار أفيف كوخافي رئيس أركان جيش الاحتلال موعداً يقع عشية بدء ولايته الممددة لعام إضافي، وعشية ذكرى اغتيال الجنرال قاسم سليماني، لتقديم كشف حساب عن ما وصفه بإنجازاته، فلم يجد إلا عبارتين، لقد أفشلنا خطة سليماني في سورية، ومن دون أن يقدم أي دليل على صدق مزاعمه، اعترف ضمناً بأن هاجسين رئيسيين لا يزالان يسكنان عقول قادة الكيان، الفشل في سورية، وخطة الجنرال قاسم سليماني. فقد تحدث كوخافي عن أن خطة سليماني كانت تتضمن نشر مئات الصواريخ وعشرات آلاف المقاتلين في سورية لتهديد الكيان أدعى أنه أفشل هذه الخطة دون أن يقدم دليلا على صحة كلامه، لكن الثابت الصحيح من كلام كوخافي هو أن سورية لا تزال هاجس الكيان وسليماني لا يزال هاجسه الآخر. فكيف نحكم دون أن يخدعنا كوخافي ودون أن نعيش أوهام الرغبات والتمنيات بالمقابل؟
– المعيار الأول هو في السؤال عن سورية ومخطط كيان الاحتلال، كما ورد على ألسنة قادته قبل كوخافي وفي أيام كوخافي. والسؤال عن مصير هذا المخطط، دون أن يلعب معنا كوخافي لعبة مناقشة خطة سليماني، فلنناقش خطته وخطة زملائه من قادة الكيان. وهكذا سنجد أن العشرات من التصريحات التي تتحدث عن هدف أول هو منع وصول السلاح النوعي من إيران عبر سورية الى حزب الله. وهذه هي الفقرة الأولى الحقيقية في المهمة التي أخذ الجنرال سليماني على عاتقه تنفيذها وإنجازها. وفي هذا المجال يكفي أن نعود أيضا لما يقوله قادة الكيان أنفسهم وتتحدث عنه تقاريرهم الاستخبارية، حيث الإجماع على أن حزب الله نجح خلال ما سُمّي بالمعركة بين حربين التي خاضها كوخافي وزملاؤه من رؤساء الأركان والمخابرات، بامتلاك كمية كافية من الصواريخ الدقيقة لتدمير المنشآت الحيوية والاستراتيجية في الكيان خلال أي حرب قادمة، وأن كوخافي وزملاءه لم يتجرأوا ومعهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على استهداف هذه الصواريخ في لبنان، رغم خروج نتنياهو حاملا صورا عرضها على الجمعية العامة للأمم المتحدة وزعم أنها مستودعات الصواريخ.
– الهدف الثاني الذي حدده قادة الكيان لما يريدونه من الحرب على سورية، كان بحد أعلى هو قيام حكومة صديقة للكيان، عبرت عنها حفاوة استقبال الوفود التي تمثل أجنحة المعارضة السورية المسلحة وفتح المستشفيات أمام جرحاهم، والتصريحات المتبادلة بينهم وبين المسؤولين في الكيان. والواضح بلا جدال أن هذا الهدف قد أصيب بفشل ذريع، وها هي تركيا التي رعت هذه المعارضات السورية تنهي رحلتها في طريق العودة الى التعاون مع الدولة السورية ويسقط بعودتها آخر بقايا حلم المجيء بحكومة صديقة للكيان، والحد الأدنى الذي قاتل لأجله الإسرائيليون واعتبروا أنّه يستحق التضحية بوجود قوات الاندوف التي كانت ترعى فك الاشتباك في منطقة الجولان المحتل، تمثل بالسعي لإقامة حزام أمني داخل جنوب سورية يتصل بالجولان المحتل وتسيطر عليه ميليشيات موالية للكيان، ووقع الاختيار على جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة) لهذه المهمة رغم ما في ذلك من إحراج، وصرح قادة الكيان أنهم يأتمنون جبهة النصرة على ما وصفوه بـ «حدودهم الشمالية الشرقية». وهذا الهدف أيضا ذهب مع الريح، ولم يبق منه إلا مجموعات شاردة تحتمي بالقوات الأميركية على الحدود السورية العراقية الأردنية قرب قاعدة التنف.
– عندما يتحدث كوخافي عن خطة سليماني فهو يعلم أنها تضمنت ثلاثة عناصر، الأول دعم الدولة السورية سياسياً وعسكرياً بهدف استرداد زمام المبادرة لصالح مشروعها السيادي، ويكفي تذكير كوخافي بحجم السيطرة العسكرية للجيش السوري على الأراضي التي كانت بحوزة حلفاء كوخافي من ميليشيات النصرة وداعش، ولفت نظره الى ما يجري في موسكو من لقاءات سورية تركية تفتتح مرحلة جديدة من إنهاء أوهام وأحلام كوخافي وحلفائه من ميليشيات تجاهر بقربها من حكومة الاحتلال وتسعى لإقامة كانتونات تقسيمية سواء تحت عنوان كردي في الشمال الشرقي أو تحت عنوان إسلامي في الشمال الغربي، والعنصر الثاني تأمين التواصل بين قوى المقاومة في لبنان وعمقها الاستراتيجي في ايران لضمان تزويدها بأفضل ما يلزم لبناء توازن الردع مع جيش الاحتلال. وهنا تكثر الاعترافات الأميركية والإسرائيلية، وآخرها مع ترسيم الحدود البحرية للبنان، بأن المقاومة انتقلت من القدرة على ردع الكيان عن التهديد بالحرب الى امتلاك القدرة على تهديد الكيان بشنّ المقاومة للحرب، أما العنصر الثالث في خطة سليماني فيتمثل بقيام محور للمقاومة يرتكز على قوة ومكانة سورية وموقعها الجغرافي، وتكون المقاومة في فلسطين قلبه النابض، وهذا يعني ازالة آثار الصدع الذي أصاب قوى المقاومة بفعل الحرب على سورية وموقف حركة حماس منها، واستعادة العافية للعلاقات بين سورية وحماس من جهة، ومواصلة تعزيز قدرات فصائل المقاومة في فلسطين من جهة موازية. وهنا يمكن القول ان وصايا سليماني تحققت بعد استشهاده فتمت المصالحة بين سورية وحماس، وأظهرت معركة سيف القدس انتقال المقاومة الفلسطينية وفي قلبها حماس والجهاد على المبادرة بشن حرب للمرة الأولى بما يتعدى القدرة على ردع حرب يشنها الكيان، وظهر الكيان عاجزاً عن مجاراتها في مواصلة الحرب قبل وقف النار بلا شروط.
– الحقيقة الساطعة هي أن خطة سليماني تحققت وخطة كوخافي فشلت، مهما حاول كوخافي تزيين الفشل بالغموض والترميز للإيحاء بالإنجاز، حيث لا آلة لفحص الكذب.
2022-12-29 | عدد القراءات 933