هل تستطيع النيابة العامة إخلاء سبيل الموقوفين؟

لم يقم المحقق العدلي بقرارات إخلاء السبيل إلا ليقيم نزاعاً بين النيابة العامة التمييزية وأهالي الموقوفين المخلى سبيلهم، فيضع النيابة العامة بين خيارين صعبين، تنفيذ إخلاءات السبيل تفادياً للإحراج الشعبي، وتكون النتيجة منح الشرعية لقرارات المحقق العدلي وبالتالي لسائر سرديته القانونية المزعومة التي منح نفسه بموجبها سلطات إلهية، أو رفض إخلاءات السبيل وبالتالي منح المحقق العدلي تعاطفاً بين أهالي الموقوفين المخلى سبيلهم إضافة لاستثماره على موجة التعاطف والغضب بين أهالي الضحايا.
في الجانب القانوني تستطيع النيابة العامة التمييزية الفصل بين تعاملها مع قرارات إخلاء السبيل دون أن تتضرّر مطالعتها باعتبار اجتهادات البيطار منعدمة الوجود، ذلك لأن البتّ بالتوقيف الاحتياطي الذي تتولاه النيابة العامة التمييزية أو من ينوب عنها لحساب القضايا المفتوحة أمام القضاء، ومنها القضايا المحالة أمام المجلس العدلي، يخضع لسيادة النيابة العامة التمييزية بعد أن تفرغ منها الجهة القضائية المعنية، سواء كان ذلك مبنياً على مطالعة قانونية سليمة أو مشوبة بالخطأ، ولا تنظر النيابة العامة بمضمون قرار الجهات القضائية المعنية وسلامته، بل تعتبر أن الموقوف لم يعد مطلوباً لجهة قضائية، باستثناء النيابة العامة، فتنظر في التوقيف وتقرر البت بإخلاء السبيل، طالما أن الموقوف ليس مطلوباً لحساب جهة قضائية أخرى.
الواقع القانوني للموقوفين الذين قرّر المحقق البيطار إخلاء سبيلهم، بمعزل عن صواب وخطأ نظرياته القانونية، هو أنهم باتوا عهدة قضائية لدى النيابة العامة التمييزية، وليسوا مطلوبين لحساب جهة قضائية أخرى، وقرار إخلاء سبيلهم من عدمه ملك النيابة العامة التمييزية. والأمر هنا يختلف جذريا عن قرارات الادعاء والملاحقة التي أصدرها المحقق العدلي، حيث الأخذ بها يستدعي قبول صلاحية قيام المحقق العدلي المقام بوجهه قضايا رد عديدة، وقرارات وقف عن العمل صادرة عن هيئات قضائية، باستئناف مهامه من تلقاء ذاته قبل صدور أحكام بإنهاء قرارات الإيقاف القضائية التي طالت مهمته، والبت بدعاوى الرد المقامة بوجهه. وطالما ان النيابة العامة التمييزية تعتبر اجتهاد البيطار منعدم الوجود، فهي معنية برفض تنفيذ أي قرار يستلزم تنفيذه الأخذ بالاجتهاد الذي يطلق يد المحقق العدلي.
الواقع الاستثنائي الذي فرضه التصرّف الأرعن للمحقق العدلي يستدعي تعاملاً استثنائياً من النيابة العامة بما يحفظ موقعها كخط دفاع أول عن سير القانون ومنع سوء استخدامه، وسوء الاستخدام هو في توقيفات غير مبررة وادعاءات مسيّسة، وإبطال مفاعيل اعتداء البيطار على القانون يقتضي التصرف بما يتيحه القانون لرفع ظلم التوقيف التعسفي ومنع تنفيذ الادعاءات الأقرب الى الاعتداءات تحت ستار القانون.

التعليق السياسي

2023-01-25 | عدد القراءات 951