ناصر قنديل
– يكثر الحديث في الصالونات السياسية والمقالات والتحليلات، عن اجتماع قريب في باريس سيضمّ ممثلين لحكومات عواصم دولية وإقليمية بارزة للبحث في الشأن الرئاسي اللبناني، ويدعو الكثيرون في بيروت الى انتظار نتائج هذا الاجتماع، واعتباره موعداً حاسماً في مسار إنتاج رئيس جديد. وفيما يذهب البعض إلى توقع أن يكون اسم الرئيس المرتقب على طاولة التداول، لا يُخفي المتحفظون عن فرضية نقاش الأسماء حماستهم لما يمثله الاجتماع، على طريق بلورة وتوضيح صورة المشهد الرئاسي.
– عملياً نحن أمام اجتماع خماسي بدعوة من فرنسا ومشاركتها وحضور أميركي وقطري ومصري وسعودي، ومنعاً من الضياع في متاهات التحليل، لا يختلف اثنان أن الحماسة الفرنسية القطرية لجعل الاجتماع خطوة في المسار الرئاسي، لا تحجب حقيقة أن مصير الاجتماع يبقى مسقوفاً بالحدود التي ترسمها واشنطن والرياض معاً، فما هي حقيقة الموقفين الأميركي والسعودي؟
– أبعد بكثير من نظرية أن واشنطن والرياض مشغولتان عن لبنان بأولويات أخرى، وتديران ظهريهما للملف اللبناني، هناك حقيقة تختبئ وراء هذا الانشغال، وهي أن واشنطن والرياض تنظران للبنان والاستحقاق الرئاسي فيه من زاوية نظر تقع في قلبها مكانة حزب الله، وأمام العاصمتين تجارب رئاسيّة لمراحل كانت الأغلبية النيابية بين يدي حلفائهما، وكان الظرف الإقليمي والدولي في إحداهما لصالح محور واشنطن والرياض، وفي الثانية لصالح خصومهما، وانتهت برئاستين، واحدة وسطية عبر تسوية مع حزب الله جاءت بالرئيس ميشال سليمان، وثانية حليفة لحزب الله جاءت بالاستجابة لطلب حزب الله بدعم مرشحه العماد ميشال عون تحت عنوان التسوية الرئاسية التي قام بها كل من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري، والحديث عن فرص رئيس أكثر قرباً من واشنطن والرياض وأشد ابتعاداً عن حزب الله، بظل عدم امتلاك أغلبية نيابية، وعدم وجود ظرف إقليمي ودولي مشجع على تحقيق إنجاز رئاسي في لبنان، يضع الاهتمام بالرئاسة اللبنانية في دائرة ما يصفه دبلوماسيون أميركيون ويتفق معهم على الوصف دبلوماسيون سعوديون، بالتورط في منح شرعية والالتزام بدعم رئيس لبناني، لا يقدم شيئاً للسياسات الأميركية والسعودية، ولذلك فهما تفضلان النأي عن الاستحقاق الرئاسي، سواء بقي الفراغ أم انتخب رئيس يشبه أحد الرئيسين الميشالين عون وسليمان، والتعامل بالقطعة مع نتائج هذا الانتخاب.
– يقول مسؤول أميركي سابق بارز في أحد اجتماعات مجموعات التفكير في واشنطن حول موقف الإدارة الأميركية من الاستحقاق الرئاسي في لبنان، إن واشنطن لا تملك القدرة اللازمة لأحد الخيارات الرئاسية، وهي رئيس يواجه حزب الله، وهذا يستدعي معطيات ومقدرات وظروف غير متاحة، ولا تملك الاستعداد والرغبة للسير بالخيار الثاني وهو التسوية مع حزب الله، وإذا بقي الفراغ طويلا، وواشنطن لا تتوقع تغير معطيات المنطقة لصالح تمكينها من المجيء برئيس يكون ضمن حلفائها، يمكن أن يعود الاهتمام الأميركي بالرئاسة اللبنانية بحال تمّت تسويات تشمل ايران وسورية وتزيل درجة التصادم مع حزب الله، يكون فيها الموقف الأميركي من الرئاسة تسهيلا لرئيس أقرب لحزب الله ضمن سلال التفاوض مع حلفاء الحزب الإقليميين، وعلى الأرجح عدم الممانعة بمثل هذا الرئيس من ضمن السعي للاستقرار العام في المنطقة الذي ترغب به واشنطن من التسويات التي يمكن أن تنشأ مع إيران، حول التفاهم النووي ومثلها انسحاب أميركي من سورية، في مناخ تركي سوري جديد.
– في الرياض مقاربة مشابهة ولو بتفاصيل مختلفة، تبدأ من عدم الاستجابة لطلبات تغطية رئيس تسوية مع حزب الله، والإقرار بعدم وجود فرصة للتحرّك المعلوم نتيجتها سلفاً بمحاولة المجيء برئيس مناوئ لحزب الله، ولذلك يبدو الفراغ الذي يملؤه تجميع حلفاء تحت سقف ترشيحات لا تتقدم إلى الأمام ولا تفتح طريق التسويات، وإذا حدث وأدت الأوضاع اللبنانية الطائفية أو الاقتصادية لنشوء ضغوط تفرض تسويات، تفضل الرياض البقاء خارجها، ولو لم تعارضها بقوة، والتعامل مع نتائجها بالمفرق لا بالجملة، أما إذا بقي الفراغ طويلا، واقتربت التسويات في المنطقة، سواء عبر تفاهم إيراني سعودي إو سعودي سوري، فإن التجربة السعودية ترجح خيار جعل الرئاسة ضمن سلة تفاهمات سورية سعودية، أو الأدق، ترجمة للموقف السعودي الهادف لتأكيد الحرص على دعم عودة سورية إلى دورها العربي والإقليمي.
– بانتظار أن ينتخب اللبنانيون لاعتباراتهم الطائفية أو الاقتصادية رئيس تسوية يتعامل معه الأميركيون والسعوديون، بالمفرق وعلى القطعة، لا يمانع الفرنسيون والقطريون أن يكونوا ضمن هذه التسوية، لكن دون المضي الى حد اعتبارها مشروعاً فرنسياً قطرياً يُغضب واشنطن والرياض. وهذا يعني ترك المبادرة للبنانيين وإيقاع ضغط الاعتبارات الطائفية والاقتصادية عليهم، وإذا بقي الفراغ طويلا سيجدد الفرنسيون الدعوة لاجتماعات مشابهة، ويواصل القطريون مساعيهم للتواصل مع الأطراف اللبنانية، لكن تحت سقف إدراك أن أي مبادرة دولية اقليمية يجب أن تنطلق من حسابات وتراعي سقوفاً، أميركية وسعودية، وحتى ذلك التاريخ تبقى مصر في منتصف الطريق مستمعاً جيداً، ومتحدثاً لبقاً.
2023-02-02 | عدد القراءات 915