ناصر قنديل
ــ هل يمكن أن نتخيل أن يأتي يوم قريب تقترح فيه واشنطن حل الدولتين للصراع في فلسطين، وفق رؤية الحفاظ على دولة يهودية في غوش دان على مساحة 2000 كلم مربع حول تل أبيب، وتكون محايدة برعاية دولية ومنزوعة السلاح، فيما واشنطن تدعم اليوم عملياً تغول مشروع الكيان لضم الضفة الغربية بعدما تضامنت مع ضم القدس الشرقية والجولان وغور الأردن، وهي تكتفي بالحديث عن حل الدولتين، وفقاً لرؤية تمنح الفلسطينيين شبه دولة مقطعة الأوصال بلا سيادة، منزوعة السلاح، وبلا حماية دولية؟
ــ لا يُخفي الذين يقرأون الإستراتيجيات في واشنطن قناعتهم بأن الانتصار الغربي في الحرب الأوكرانية مستحيل، كما تقول دراسة مؤسسة راند التابعة للبنتاغون، ويقولون إن التمسك بشعارات من نوع الهزيمة الاستراتيجية لروسيا، أو استعادة كامل الأراضي الأوكرانية وفق حدود 2014، يعني أحد أمرين، الانزلاق إلى حرب نووية بعد حرب استنزاف طويلة، أو المضي في حرب الاستنزاف الى ما لا نهاية؛ بينما روسيا ليست مستعدة لتقبل فكرة التراجع والهزيمة ومستعدة للمضي قدماً في حرب الاستنزاف مهما طالت. ووفقاً لدراسة مؤسسة راند، تملك روسيا قدرة التحمّل والصمود في حرب استنزاف ما لا يملكه الغرب، بشرياً واقتصادياً، وتكثر المقالات المنشورة في الصحافة الغربية عن تجربتي نابليون وهتلر في الحرب على روسيا ووهم الانتصار السريع، قبل أن تتحول الحرب الى استنزاف مفتوح ربحته روسيا في نهاية المطاف، وتصل دراسة مؤسسة راند الى الدعوة لاقتناع أميركي بأن المطلوب تحديد مدى النصر الروسي الذي تقبل به واشنطن، ومدى الجغرافيا التي تتحمل أوكرانيا خسارتها، للمضي نحو مفاوضات تضمن حياد ما يتبقى من أوكرانيا، مقابل ضمان مستقبل أوكرانيا الجديدة من أي تهديد روسي لاحق.
ــ هذه السنة حاسمة في حرب أوكرانيا، وبعيداً عن المغالاة الإعلامية الأوكرانية، يبدو واضحاً عند صناع القرار الغربي، أن الكفة تميل لصالح روسيا، وأن المخزون البشري الأوكراني ينفد بالتوازي مع نفاد المخزون الغربي من الذخائر. والمنطقي أن يطرح الإسرائيليون والتايوانيون أسئلة وجودية بحصيلة التوقعات المرتقبة لحرب أوكرانيا، لأن مكانة أوكرانيا وما تقدّمه من فرص للمواجهة دفاعاً عن الاستراتيجيات الأميركية بشرياً وجغرافياً، لا تملك «إسرائيل» وتايوان مثله، ما يجعل الصيغة التي ترسو عليها حرب أوكرانيا سقفاً لما يمكن لواشنطن أن تقارب عبره مستقبل «إسرائيل» وتايوان، ومحوره مقايضة الجغرافيا والسيادة والطموحات الإقليمية للحليف، سواء كان أوكرانيا أو «إسرائيل» أو تايوان، لشراء الاستقرار وتفادي المواجهة المفتوحة.
ــ بالمقارنة لموازين ما ينتظر تايوان في مواجهة الصين، وفق معادلة أوكرانيا مقابل روسيا، وما كان ممكناً توفيره لأوكرانيا مقارنة بما يمكن توفيره لتايوان، لا تستطيع تايوان تجاهل المشهد المقبل في أوكرانيا، ومثلها «إسرائيل»، حيث تواجه كل تايوان و»إسرائيل» أوضاعاً أشد سوءاً وصعوبة من الأوضاع الأوكرانية، وتملكان فرصاً ومقدرات اقل، وتحيط قدرة واشنطن على التورط معهما قيود وتعقيدات أكثر، ولذلك من المنطقي أن ترسم كل منهما صورة سوداء لما ينتظرهما إذا انتهت الحرب في أوكرانيا وفقاً للسيناريو الذي توقعته مؤسسة راند، ومن خلفها البنتاغون.
ــ قيادة حكيمة في تايوان تسارع الى التفاهم مع الصين، ما دامت صيغة كيانين في بلد واحد لا تزال على الطاولة، لكن «إسرائيل» لا تملك الا ما هي عليه، والرد على تراجع فكرة الدولة برد الاعتبار للعصابة، والرد على فشل السياسة بالعودة الى الفكر الديني المتطرف، والمسار الطبيعي هو تصاعد المواجهة مع الشعب الفلسطيني، في ظل نهضة شعبية ومقاومة لا ترى فرصاً إلا بالمزيد من المقاومة. وهذا يعني أن المسار الذي ينتظر»إسرائيل» هو خسارة الجغرافيا و»السيادة»، دون تسويات، على طريقة خسارة غزة، وهذا ليس تقديراً لما سوف يجري في الزمن البعيد، بل لما هو أقرب بكثير.
2023-02-03 | عدد القراءات 919