كانتون إدلب … وكانتون القامشلي… كفى!

ناصر قنديل

ــ في المشهد الإجمالي للمنطقة سؤال كبير يطرح اليوم، بعد كارثة الزلزال، ما هي الفائدة التي يمكن أن تجنيها تركيا من بقاء قواتها في سورية، وتركيا تكتشف مع الزلزال حاجتها لحشد إمكاناتها لسنوات قادمة على عملية إزالة آثار الزلزال، وحاجتها لفعل ذلك إلى أفضل العلاقات مع دول الجوار، وها هي تسعى لتطبيع العلاقات مع اليونان كما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بينما كان أردوغان قد دعا الى هذا التطبيع مع سورية في مرحلة سابقة على الزلزال، بنية التخفف من أعباء العبث الذي بدّد الكثير من قدرات تركيا ومكانتها، وجلب الخراب والإرهاب الى سورية، فكيف بعد الزلزال؟ ومعلوم أن أي علاقة طبيعية بين تركيا وسورية مشروطة بانسحاب تركيا من الأراضي السورية.
ــ ليس من متابع للملف التركي السوري إلا ويعلم أن ما بدأ مع اكتمال عقد الرباعية الروسية التركية الإيرانية السورية كان مقرراً له قبل الزلزال أن يترجم بعقد لقاء أمني عسكري رباعي لمناقشة آليات معالجة الوضع الشاذ في شمال غرب سورية، بعدما تمت مناقشة الوضع المشابه في شمال شرق سورية. وهذا يعني أن الانشغال بكارثة الزلزال وما فرضه ايقاع الأيام الأولى لن يدوم طويلا قبل أن يصبح المضي قدماً بهذه الخطوة حاجة ملحة في ضوء التداعيات التي ترتبت على الزلزال. وهذا يعني وضع مستقبل كانتون شمال شرق سورية وكانتون شمال غرب سورية على طاولة البحث، لارتباطهما عضوياً بقرار الانسحاب التركي من سورية، حيث تسعى تركيا لربط هذا الانسحاب بإنجاز أمني تقول بموجبه لشعبها إنها أنهت تحدي الكانتون الكردي، وتربط سورية تعاونها في إنجاز هذه المهمة سياسياً وأمنياً بالتزام تركي بالتعاون في إنهاء الكانتون شمال غرب سورية، وتقف موسكو وطهران في هذا الشأن مع دمشق.
ــ السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو ما هي خطة القيادات السياسية السورية التي تحمل ألقاباً فخمة في مواقع قيادة ثورة مزعومة، وما هو موقع تمسكهم بالكانتون في شمال غرب سورية في رؤيتهم المستقبلية لسورية، وهل هم يملكون أصلا هذه الرؤية، وقد بات أكيداً أن الحديث عن عمل عسكري يتيح التوسع والتمدد في مناطق سورية تحت سيطرة الدولة، لم يعد قابلا للنقاش حتى على سبيل الهلوسة، وهل يجرؤون على إعلان نيتهم اقامة دولة مستقلة في المنطقة الخاضعة لسيطرتهم، وهل هم يسيطرون عليها فعلاً، أم أن السيطرة هي لتشكيلة تضم عصابات مسلحة متعددة الانتماءات، تمسك بالمنطقة التي تربط الطريق الدولي بين أوروبا والخليج مرورا بتركيا وسورية، لفرض الخوة المالية على العبور، ويسرقون المعونات الإنسانية ويبيعونها للسكان، الذين يعيش أغلبهم من التمويل السياسي الآتي من بعض دول الخليج، وبعض الجمعيات التي تشجع على التطرف في دول أخرى من الخليج، بالإضافة لما تبقى من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، لكنهم يعلمون أنه دون العباءة التركية لا مستقبل لهذا الكانتون. فهل فكروا بالإجابة عن سؤال كيف سوف يتعاملون مع الانسحاب التركي عندما تدق ساعته، وقد باتت قريبة؟
ــ في شمال شرق سورية صورة مشابهة، فلا أفق عسكري يمكن أن يراهن عليه قادة تنظيم قسد لتوسيع دويلتهم، والقول إنهم جزء من حركة سورية تسعى للسيطرة على كامل الجغرافيا، ولا هم قادرون على إعلان دويلتهم في هذه المنطقة وإعلان الانفصال عن سورية، ولا هم قادرون على توظيف هذه السيطرة لتفاوض يتجاوز سقف الدولة السورية الواحدة نحو صيغ من الفدرالية. فماذا سيقولون لمن يسألهم عن استراتيجيتهم، إذا ما تم الاتفاق بين الدولتين السورية والتركية بشراكة روسية إيرانية على إنهاء الكانتون، والجواب هو أنهم لا يملكون قرارهم، فهم مجرد تتمة شكلية لبقاء الاحتلال الأميركي يزولون متى زال، وحتى ذلك الحين يتعيشون على فتات الاحتلال بمشاركته بسرقة النفط والقمح، وهذا يجعلهم كنظرائهم الذين يسيطرون على شمال غرب سورية، نماذج لا أخلاقية ساقطة للعمل السياسي. ولعل ما تحمله وقائع الأبنية التي تهدمت مع الزلزال، داخل تركيا وداخل سورية، أنها جميعاً بنيت خلال سنوات الحرب، سواء في مناطق شمال غرب سورية، أو في شرق حلب خلال سيطرة الجماعات المسلحة عليها، أو في المناطق التركية للمتاجرة وبيع بعضها للسوريين، والحصيلة كانت كارثة سببها لا أخلاقية معايير البناء.
ــ مع السقوط الوطني والأخلاقي لهذه الجماعات، آن الأوان للقول كفى للكانتون في إدلب والكانتون في القامشلي، فمواجهة الكوارث وتداعياتها تحتاج دولاً حقيقية، والعصابة لا تتحول إلى دولة.

2023-02-14 | عدد القراءات 893