الحسابات الأميركية السعودية بين اليمن وسورية ولبنان

ناصر قنديل

– منذ مدة تمرّ العلاقات الأميركية السعودية بأزمة ثقة، وتأكيد الطرفين الأميركي والسعودي على الطابع الاستراتيجي لتحالفهما، لم ينف اعتراف الفريقين بأزمة في العلاقة التي كانت لها قواعد تقليدية تقوم على موقع مرجعي للسياسات السعودية الخارجية ترسمه سقوف السياسات الأميركية. وبدأت تتغيّر مع موقف سعودي يرسم هوامش مستقلة تتسع تدريجياً حتى طالت ما تعتبره واشنطن بداية مساس خطر بالثوابت، مثل الموقف من تدفقات الطاقة، ورفض السعودية الالتزام بالدعوات الأميركية لزيادة الإنتاج، والعقوبات على روسيا وتمسك السعودية بالتعاون معها كشريك كامل ضمن إطار أوبك بلاس من خارج نظام العقوبات، وصولاً الى العلاقات الصينية السعودية ووصفها أميركياً بالإنقلاب على العلاقة التاريخية الأميركية السعودية، وتوصيف الرياض لها ضمن إطار الشركات المتعددة، حتى خرجت مواقف أميركية رسمية من البيت الأبيض ووزارة الخارجية تتحدّث عن أن العلاقة مع الرياض قيد التقييم، وأن هذا التقييم سينتهي بإجراءات.
– في هذا السياق يقرأ الخبراء التعقيدات المرافقة لظهور التوجه السعودي نحو السعي لتمديد الهدنة في اليمن وفق مقاربة تراعي مطالب حركة أنصار الله، والحديث السعودي عن الحاجة للانفتاح على الدولة السورية، والنقاش السعودي حول الوضع في لبنان، حيث ظهر استعداد سعودي لمشاريع تسويات في الملفين اليمني والسوري لا تنضبط بالسقوف السابقة التي اعتمدتها السعودية سابقاً، حملتها تصريحات سعودية واضحة تتحدث علناً عن استحالة الاستمرار بالسياسات السابقة، ككلام وزير الخارجية السعودية حول سورية، ويبدو للمتابعين أن هذا التراجع السعودي عن السقوف العالية تجاه اليمن وسورية، والإنفتاح على خيارات جديدة يمكن أن تنجح في صناعة التسويات، يرافقه موقف سعودي سلبي تجاه التسوية في لبنان، بل موقف سعودي بسقف أعلى من الموقف الأميركي في السلبية تجاه فرص تسوية تخرج لبنان من الاستعصاء الخانق في مقاربة الاستحقاق الرئاسي، وهو ما يعتقد الخبراء أنه نتاج كون السعودية في اليمن تقاتل بجيشها، وفي العلاقات العربية والدولية حيث القضية السورية حاضرة تستنزف بسمعتها ومكانتها، بينما لا تتكبد أي أكلاف في لبنان، حيث تستثمر حراك أطراف لبنانية مستعدة لضبط إيقاعها على التوقيت السعودي، وهي تحاول أن تعوض عبر المكاسب الممكن تحقيقها عبر التصعيد والتشدد في لبنان، ما سوف يكون عليها تقديمه من تنازلات أو تكبده من أكلاف في تسويات ممكنة في ملفي اليمن وسورية. ويعتبر الخبراء ان هذه الصلة هي التي تفسر البطء في مساري التسوية في اليمن وسورية، بانتظار أن يؤتي التشدد والتصعيد في لبنان بعض الثمار، أو يسلك طريق التقدم.
– مقابل هذه المقاربة ثمة مقاربة مخالفة في تفسير وتوصيف مسار الموقف السعودي تجاه اليمن وسورية ولبنان، واستطراداً ما تسميه بتعقيدات العلاقة الأميركية السعودية، وتقول هذه المقاربة إن الحاجة الماسة لتحقيق تقدم سعودي في اليمن وسورية ولبنان، سواء في سلوك خط التسويات أو التصعيد ترتبط بالحاجة لتسهيل أميركي، حيث لواشنطن مقاربة لا تتقاطع في النظرة مع الحسابات السعودية، والحساب الأميركي نحو سورية عبرت عنه زيارة قائد القوات الاميركية الى شرق الفرات لإعلان التمسك بتعطيل أي انفتاح على الدولة السورية وإعلان التمسك بالكانتون الكردي. وقد ترجمت هذا الموقف تصريحات أميركية متكررة تحذر من الانفتاح على الدولة السورية، وفي اليمن لا تزال واشنطن تأمل أن تنتزع من أي تسوية لوقف الحرب في اليمن، ترتيبات تتصل بأمن الملاحة في الممرات المائية التي يسيطر عليها أنصار الله وخصوصاً مضيق باب المندب، وضمانات لأمن كيان الاحتلال، وصلة ذلك بمستقبل السلاح الصاروخي للأنصار، وشرعنة قواعد أميركية في الأرض اليمنية وتسهيلات لحركة الطائرات الأميركية المسيرة في الأجواء اليمنية، بينما لا تمانع واشنطن بتسوية في لبنان تستوحي الطريقة التي تم عبرها ترسيم الحدود البحرية للبنان تفادياً لقيام حزب الله بوضع فائض قوته على الطاولة وتهديد أمن «إسرائيل»، وهي بذلك ترسم سقفاً للمقاربة اللبنانية أدنى من السقف السعودي وأكثر انفتاحاً على خيارات التسوية.
– تملك واشنطن مفاتيح التعطيل والتسهيل، وهي تستخدمها عبر رسائل مشفرة نحو الرياض، فتعرض عليها منحها تفويضاً مشروطاً في لبنان لقيادة الاستحقاق الرئاسي بشروطها، مقابل انضباط الرياض بالسقوف الأميركية لملفات اليمن وسورية، وهذا ما يربك الحسابات السعوية ويفسر التباطؤ في رسم الخيارات وتظهير المواقف، لكن الوقت يضيق، ففي سورية تسارع تركي نحو دمشق وموعد يقترب لعقد القمة العربية في الرياض التي يريدها السعوديون مناسبة لا ينالها سواهم لعودة سورية الى الجامعة العربية، وفي اليمن حدود لاستعداد أنصار الله للانتظار ومنح المهل، وفي لبنان تغلق الأبواب على الرهانات الرئاسية التي قيل للسعودية إنها رهانات رابحة ويتقدم الخيار المقابل بثقة، بينما تضع المقاومة الأميركي أمام معادلة تحميله مسؤولية إدامة الفراغ ومنع التسويات وصولاً إلى الفوضى وتضع مقابلها استعدادها للحرب على الكيان، فتنشأ دينامية الجنرال وقت التي لا تدع مجالاً لمواءمة قسمة الحقل على قسمة البيدر، ويصير على العشاق أن يتفرقوا لأن الدف قد تمزق، فلا تبقى السعودية قادرة على ضبط ايقاعها في اليمن وسورية على التوقيت الأميركي ولا تبقى اميركا قادرة على ضبط إيقاعها في لبنان على التوقيت السعودي. هي شهور فاصلة ستقول الكثير.

2023-03-09 | عدد القراءات 884