ناصر قنديل
– تنتمي أغلب المواقف التي أعقبت الإعلان الصيني الإيراني السعودي إلى أحد اتجاهين، الأول هو التهوين من حجم الحدث وتخفيف أهميته الى حد القول إنه حدث عادي لا مترتبات تتجاوز حدود اعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، والتذكير بأن الأزمات الكبرى في المنطقة وطبيعة التموضع حولها حقائق سابقة لقطع العلاقات الدبلوماسية، وقد تمّت في ظل هذه العلاقات، والعودة إلى العلاقات تعني العودة الى المربع الذي كانت فيه هذه الأزمات وكان فيه هذا التموضع؛ أما الإتجاه الثاني فهو اتجاه تعظيم ما جرى إلى حد اعتباره إعلان انتقال المنطقة إلى زمن الحلول السحرية لأزماتها بكبسة زر، من اليمن الى العراق وسورية ولبنان، على قاعدة اعتبار الدور المحوري للمواجهة السعودية الإيرانية في هذه الأزمات؛ ولأن المطلوب هو قراءة واقعية لا تنطلق من المخاوف أو التمنيات، تصبح العودة الى الوقائع بعيداً عن المشاعر السلبية والإيجابية هي الطريق، سواء من يخشى من خصوم السعودية أن يقع كلامه الإيجابي في منزلة مديح يريد أن يحسب عليه للموقف السعودي فيغلّب الشكوك على الوقائع، أو من كان ينتظر توافقاً إيرانياً سعودياً ورأى في الاتفاق ترجمة لهذه الرغبة فأسقط عليه كل تمنياته بنهاية أزمات المنطقة.
– نقطة البداية الصحيحة في القراءة الواقعية هي في مكانة الصين المحورية فيه، لأن الاتفاق بذاته قابل لأن يكون عادياً لو كان توقيعه في بغداد أو مسقط، ويمتلك صفته الاستراتيجية من كونه وقع في بكين وبالشراكة معها، لأن دخول الصين إلى مرتبة الشريك وليس الراعي والمضيف فقط، ليس حدثاً عادياً، فنحن نتحدث عن الصين التي تشكل وفقاً للتعريف الأميركي العدو الاستراتيجي الأول في العالم، ونتحدث عن منطقة تتشاركها إيران والسعودية بصفتها مورد الطاقة الأول في العالم، ونتحدّث عن دولتين هما إيران الخصم الأول للسياسات الأميركية في الشرق الأوسط، والسعودية الحليف الأول لواشنطن في استراتيجيات الطاقة وأمن الخليج، وعندما تحلّ الصين في موقع الشريك مع إيران والسعودية بعد اتفاقات استراتيجية صينية إيرانية وصينية سعودية، والصين هي المستهلك الأول للطاقة في العالم، فنحن نتحدث في كل ذلك عن قوة طرد عكسية للحضور الأميركي، وعن تموضع القدم الصينية في هذه المنطقة الشديدة الحساسية في الحسابات الأميركية، ضمن سياق اقتصادي وأمني واستراتيجي، وهذا تحوّل كبير وهائل في خرائط العالم الجيواستراتيجية، وفي مؤشرات اتجاه العالم الجديد، ولعل المواقف الأميركية الساخطة والغاضبة هي أكبر دليل على حجم الخطوة.
– النقطة الثانية في فهم ما يجري وانعكاساته على المنطقة لا تأتي من سياق توقع مبادرات سعودية أو إيرانية، أو سعودية إيرانية، بشراكة صينية أو بدونها، بل من النتائج الطبيعية التلقائية للاتفاق، الذي يقع على منطقة شهدت خلال عشر سنوات مضت متغيرين كبيرين: الأول هو استنهاض العصبيات الطائفية واستثمار جماعات الإرهاب والتكفير فيها، حيث شكلت كل من السعودية وإيران مرجعيتين واضحتين لهذا التصعيد في حرب مذهبية باردة وحارة شكلت حصان رهان أميركي اسرائيلي في تغيير موازين القوى في المنطقة في مواجهة قوى المقاومة. والثاني هو موجة التطبيع العربية الإسرائيلية التي كانت تستثمر على نظرية الخطر الشيعي المفترض على السنة وعلى الحاجة للتعاون مع كيان الاحتلال لتحقيق نوع من التوازن بوجه التفوق العسكري للمحور الذي تقوده إيران والذي تسميه السعودية وحلفاؤها بالهلال الشيعي. والاتفاق يعلن ان الخلاف بين السعودية وإيران هو خلاف قابل للاحتواء بالتفاوض والحوار والوساطات، ويُنهي الحاجة للتعبئة والشحن بلغة مذهبية تصعيدية، بما يسقط الأرضية التي تقف عليها دعوات التطبيع، وهذا هو الذي يفسّر التعليقات الإسرائيلية، التي عبرت عن يأسها من مستقبل التطبيع، ومستقبل الرهان على مواجهة بين السنة والشيعة.
– النقطة الثالثة هي ما سيجري في سياق الاتفاق وفقاً لما هو معلن، وأوله التعاون في إنهاء حرب اليمن، وهو ما يبدو أنه متروك لمهلة الشهرين التي تسبق تنفيذ العودة للعلاقات الدبلوماسية وفقاً للطلب السعودي، بالإضافة لبعض الترتيبات الأمنية التي يبدو أنها تخصّ وقف الإمداد السعودي المالي والإعلامي والأمني للجماعات المعارضة داخل إيران، وفقاً للطلب الإيراني، والواضح أن مفاوضات الحل في اليمن بلغت مراحل متقدمة عطلتها التدخلات الأميركية، وفقاً لما قاله السيد عبد الملك الحوثي، ويفترض أن السعودية سوف تقوم بالسير بحاصل التفاوض بعيداً عن الشروط الأميركية، بعد ضمانات صينية وإيرانية، تفادياً للبديل المتمثل بالعودة الى الحرب وأضرارها غير المحسوبة والتي قد تخرج عن السيطرة في تداعياتها على الأمن الإقليمي وفي مقدّمته أمن الطاقة الذي يهم إيران والسعودية ويهم الصين خصوصاً، وبالتوازي يبدو أن الصين تواصل ما بدأته من وساطة لتزخيم وتسريع التعافي في العلاقة السعودية السورية، وقد لعبت في الماضي دوراً في هذا السياق وتواصل اهتمامها بهذا الملف، بينما سيقع لبنان على ضفة التلقي الإيجابي لتبريد العلاقة السعودية الإيرانية، وحرب اليمن والعلاقة السعودية السورية، حيث أزمة العلاقة السعودية مع حزب الله التي تغذّي مواقف لبنانية مناوئة للمقاومة ومعطلة للاستحقاق الرئاسي، ترتكز الى تباين مواقف السعودية وحزب الله تجاه ايران وسورية وحرب اليمن.
– سيبقى التنافس الإيراني السعودي في كثير من الساحات وستبقى الخلافات في كثير من الملفات، لكن فتائل الانفجارات قد تمّ سحبها الى غرف التفاوض، وفي الساحات التي يتغذّى اللهيب فيها من التصعيد بين الدولتين سيجد المراهنون والمستفيدون أن الظروف تغيرت، والموازنات تختفي، ومنصات الإعلام يصيبها البرود.
2023-03-13 | عدد القراءات 868