تقع قيادة كيان الاحتلال في كل قضية بين فكي كماشة، وهذه من علامات التراجع الاستراتيجي، فهي إن نسبت عملية مجدو للمقاومة داخل فلسطين عليها أن تعترف بأن تحولاً كبيراً دخل على خط العمليات الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1948، وأن جيش الاحتلال وأجهزة المخابرات قد أخفقا إخفاقاً مريراً، وأن الآتي أعظم؛ وإن نفت هذه الفرضية وأرادت تبرير الإخفاق باختيار عدو تحمّله تبعات العملية يبرّر لها نسبياً هذا الإخفاق، فعليها الذهاب إلى اتهام حزب الله. وفي هذه الحالة عليها تقديم أجوبة تقنية تفصيلية، من نوع كيف تمّ التسلل وكيف بقي المتسلل متخفياً لأيام، وكيف استطاع التنقل والإقامة دون أن ينكشف ومعه هذا الحمل الثقيل وصولاً الى حيفا؟ وكل اعتراف هنا هو إخفاق إضافي ومهانة وذل جديدين للجيش والمخابرات، وتالياً ماذا سيفعلون، ان لاذوا بالصمت مصيبة، وإن قرروا التورط برد يعلمون مخاطر تحوله حرباً، فالمصيبة أعظم.
خصوم المقاومة في لبنان يردّدون ما يقوله الاسرائيليون عن العملية، ليس بالضرورة لأنهم عملاء مباشرون للاحتلال، بل لأن اتهام كيان الاحتلال للمقاومة يساعدهم في اتهام هذه المقاومة أنها تخاطر بأمن لبنان واستقراره وتعرّضه لخطر حرب، وهو في ظروف معيشية شديدة القسوة يجاهد ناسه يومهم ساعة بساعة لتأمين لقمة العيش وحبة الدواء. والاتهام يسمح بالترويج لنظرية سيطرة المقاومة على القرار الاستراتيجي للبلد والانفراد لحسابات ليست بالضرورة لبنانيّة برأيهم، تترتب عليها نتائج يتحملها كل اللبنانيين.
لكن خصوم المقاومة لم ينتبهوا إلى أن خطابهم منذ شهور يتركز على اتهام آخر للمقاومة، جوهره ان المقاومة في اتفاق الترسيم أقامت صفقة سلام تحت الطاولة مع كيان الاحتلال لحسابها وحساب إيران، وأن التطبيع والترتيبات الأمنية من ضمن مندرجات هذه الصفقة، وأن زمن قيام المقاومة بما يزعج كيان الاحتلال عبر الأراضي اللبنانية ولى الى غير رجعة، وأن المقاومة تحوّلت الى ضامن لأمن كيان الاحتلال.
لا نناقش هؤلاء الخصوم في أي من الفرضيتين، بل نطلب منهم فقط اختيار خازوق واحد والاستقرار عليه، فإن كانت المقاومة تضمن أمن “إسرائيل” تنتفي كل فرضية قيامها بالعملية وكل اتهام لها بأنها تعرّض أمن لبنان واللبنانيين للخطر يصبح اختلاقاً تنفيه صفقة الترسيم وما فيها من تطبيع وترتيبات أمنية وفق أقوالهم. وإذا كانت المقاومة تقف وراء العملية فذلك ينفي أن يكون لاتفاق الترسيم أي مترتبات تتجاوز ما نصّ عليه من تراجع أميركي إسرائيلي عن خطوط الترسيم السابقة القبول بخط تعتمده الدولة اللبنانية ووضعت المقاومة تهديدها بالحرب لفرضه.
اختاروا ترتاحوا وتريحوا، بالله عليكم.
التعليق السياسي
2023-03-16 | عدد القراءات 988