خلال أيام قليلة كشفت المصارف لعبتها من خلال الضغط الذي قامت به في سوق الصرف بواسطة عدد من الصرافين الذين رفعوا الطلب على الدولار بصورة مفاجئة وبكميات ضخمة، ما أدى إلى الارتفاع السريع والكبير في سعر الصرف. وهنا أعلن حاكم مصرف لبنان رفع سعر صيرفة وفتح الباب لبيع الدولار بهذا السعر أمام المصارف التي كانت أبلغت أن أحد أسباب الإضراب الذي لجأت إلى تجديده يعود لتمسكها بالنشاط الذي توفره لها منصة صيرفة باباً وحيداً للربح بعد تعطل الأوجه الأخرى للنشاط المصرفي.
بين مصرف لبنان والمصارف قطبة مخفية بدأت منذ سياسة الفوائد المرتفعة التي ضخت بواسطتها المصارف كل الودائع الى مصرف لبنان خلافاً لكل قواعد العمل المصرفي الآمن، وخلافاً لموجب الأمانة الذي يلزمها بعدم المخاطرة بالودائع في استثمارات أو ديون لدى جهة واحدة، ومعلوم سلفاً درجة مخاطرها العالية. وكان مصرف لبنان يضخ هذه الأموال لتثبيت سعر الصرف في لعبة جهنمية بدأت المؤشرات الانفجارية ترافقها، وبدلاً من أن يوقفها تدريجياً قرر المضي بالمقامرة عبر الهندسات المالية التي وفرت أرباحاً خيالية للمصارف خارج أي مفهوم للاستثمار، ولم تحقق الاستقرار النقدي لأبعد من شهور قليلة قبل بدء الانهيار.
عند الانهيار استمرت لعبة المصرف المركزي والمصارف من خلال كذبة الدعم، التي كانت عملية وهمية لتشغيل المصارف بشراء الدولار بسعر منخفض هو الـ 1500 ليرة للدولار، لتمويل الاستيراد لكل السلع، والبدء بالانسحاب منها تدريجياً، وحققت المصارف إضافة للأرباح الخيالية من هذه العملية، تأمين منفذ لتحويل الأموال إلى الخارج تحت مسمّى الاستيراد.
تجسدت اللعبة المشتركة للمصرف المركزي والمصارف عبر اعتماد سعر إجرامي بحق المودعين أجبروا على سحب ودائعهم على أساسه، وقد خسروا عبره أكثر من نصف قيمة ودائعهم. وعبر هذه الطريقة قدّم مصرف لبنان للمصارف طريقاً لتصفية الودائع بالدولار عبر سحبها بالليرات اللبنانية على أساس ما دون نصف السعر في السوق السوداء، والسعر اليوم مثلاً هو 15 ألف ليرة بينما الدولار يحلّق فوق المئة ألف ليرة.
منصة صيرفة كانت مسرح الربح الجديد للمصارف لشراء وبيع الدولار، يتم شراؤه من مصرف لبنان بأقل 20% من سعر السوق السوداء ويباع في السوق السوداء عبر شبكة صرافين معتمدين بالسعر الرائج وتحقيق أرباح عالية بينما البلد ينزف، والمصرف المركزي يشتري دولارات التحويلات الاغترابية بسعر السوق ويبيعها للمصارف بأقل من هذا السعر، مغطياً الفارق بأوراق نقدية لبنانية تمّت طباعتها بلا أي حساب لتأثيرها على سعر الصرف ارتفاعاً من محطة الى محطة.
عادت المصارف الى الاستفادة من أرباح صيرفة فعلقت الإضراب، ولا علاقة بشهر رمضان ولا بأسباب أخرى بالموضوع.
لعبة المصرف المركزي والمصارف على حساب الليرة وعلى حساب المودعين وعلى حساب البلد، وليس هناك من يوقفها!
التعليق السياسي
2023-03-23 | عدد القراءات 980