– عاملان يستدعيان التوقف أمام كلام المسؤول الإعلامي في حزب الله خلال احتفال موقع صدى فور برس، الأول أنّ الحاج محمد عفيف صاحب خبرة سياسية وإعلامية ممتدّة على عقود رافقت تجربة حزب الله منذ البدايات، ويمتلك ثقافة وذكاء ودماثة خلق ما يؤهّله للتعبير عن موقف الحزب بحنكة وحكمة، والثاني قربه من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وحرصه على تمثل موقف السيد وتجنبه استعمال أيّ هامش يتيحه موقع كلّ مسؤول في الحزب بما يتناسب مع مسؤولياته، وهو عندما هرب من الكلام السياسي المباشر، تقديراً لدرجة الحساسية والعصبية التي عرفها البلد كما عاشتها الساحة الإعلامية في أيام التوقيت الشتوي والصيفي، أراد اللجوء إلى الرمزية على طريقة كليلة ودمنة، أو «بحكيكي يا جارة تـ تسمعي يا كنة»، محافظاً على مدخل ومخرج ثابتين، المدخل هو فلسطين وسيبقى اسمها فلسطين، والمخرج عقيدتنا هي المقاومة.
– تناول عفيف أربعة ظواهر إعلامية يمكنها أن تشكل رموز ظواهر سياسية تفادى عفيف تناولها بالمباشر، وأولها ظاهرة تضخم الأنا وسيطرة الفردية وغياب العقل المؤسسي والتباهي بالجماعة الصغيرة أو العائلة الأقرب، على حساب البحث عن الشراكات والتحالفات، أو بثمن هو التفريط بفرص الشراكات والتحالفات، والنتيجة هي التشظي وتكاثر التشكيلات العاملة في الوسط السياسي والوسط الإعلامي، ما يضعف فرص صياغة استراتيجيات ومواجهة استحقاقات.
– الظاهرة الثانية هي غياب التشاور والحوار، وكلّ قوم بما لديهم فرحون، علماً انّ الحوار الذي لا يفضي الى تفاهمات يزيد معرفتنا بالآخر، ويكسر الحواجز، والعلاقات العامة في السياسة والإعلام هي واحد من مقاييس النجاح، والتصحّر في العلاقات انغلاق وانزواء وانطواء حصيلته عجز وكلام مع الذات، وصراخ في البرية، وتوجس وهواجس وقلق وتوتر، وأزمات وتنابذ، فالانسان عدو ما يجهل.
– الظاهرة الثالثة هي وهم الاستبدال، فكلّ جديد يتوهّم دائما وراثة القديم، التلفزيون توهّم وراثة الإذاعة والجريدة والكتاب، ووسائل التواصل تتوهّم وراثة التلفزيون، والزعامات الجديدة تتوهّم وراثة الزعامات القديمة، وكما يقول الواقع إنّ المساحة تتسع للجميع، فانتشر التلفزيون لكن الإذاعة بقيت والجريدة بقيت وبقي الكتاب، هكذا تنتشر وسائل التواصل ويبقى التلفزيون والإذاعة والجردية والكتاب، وبدلاً من أن تكون قاعدة الإلغاء والاستبدال هي التي تحكم علاقتها تحوّل التنافس إلى تكامل وحاجة متبادلة، ومثلها في حال الزعامات جديدها وقديمها، فلماذا يتوقع البعض مساراً مغايراً في العلاقات السياسية ويصرّ على أنّ مكانة الجديد تقوم على إلغاء القديم، فلا الأحزاب ألغت البيوت السياسية، ولا جمعيات المجتمع المدني ألغت الأحزاب، ومن يصرّ على منهج الاستبدال سيُصاب هو بالانعزال.
– الظاهرة الرابعة هي الانكفاء من الأعلى إلى الأدنى، من الهوية الأوسع إلى الهوية الأضيق، والتراجع من العولمة والعالمية إلى المحلية، فما دون المحلية، وصولا الى قعر المحليات والعصبيات، ومثلما في الصعود من المحلية الى العالمية كانت أميركا من يقود، فهي من قادت العالم بشعار أميركا أولاً لتولد من بعده شعارات لبنان أولاً والأردن أولاً والعراق أولاً وإيران أولاً إلى آخر السلسلة… ومثلما تولد مؤسسات إعلامية محلية وجهتها البلدة والقرية والحي وبوصلتها الطائفة في غالب الأحيان، وتتراجع اهتمامات المؤسسات الإعلامية إلى ما دون الوطنية بعدما فقدت النظريات والفلسفات بريق اهتمامها الإنساني، يُصاب الوسط السياسي بمرض العصبيات والانكفاء، فتضعف الوطنية وتنمو الطائفية، وفي الطائفة تنمو المناطقية إلى آخر قعر التشظي والتقعر.
– الجواب هو في المدخل والمخرج، فهي فلسطين التي توحد إنسانياً وقومياً ووطنياً ودينياً، كانت وستبقى فلسطين، والمقاومة هي العقيدة العابرة للديانات والوطنيات والحزبيات، وهذه دعوة للتلاقي لا منصة لإصدار الأحكام، دعوة للحوار والتشاور والقبول بالتساكن والتجاور والتعرّف المتبادل، ورفع سقوف المشتركات والطموحات الفكرية.
– تحية للزملاء في موقع «صدى فور برس» في مناسبة ذكرى انطلاقة موقعهم، وتحية للحاج محمد عفيف لرفع مستوى الكلام السياسي والإعلامي الى حيث يجب أن يكون.
2023-04-02 | عدد القراءات 927