ناصر قنديل
– يضع البعض في الداخل والخارج لرئيس الجمهورية مواصفات تعكس انتماء تفكيرهم لمرحلة ما قبل الطائف، حيث كلّ حديث عن برنامج للرئيس والتزامات بتحقيق تغييرات في أداء الدولة من موقع الرئاسة، سواء تحت شعارات مثل السيادة والإصلاح ومكافحة الفساد، تفترض رئيساً قادراً على الوفاء بهذه الالتزامات، بينما يضع الدستور الرئيس في موقع مختلف من معادلة حكم البلاد، حيث مثل هذه الالتزامات تتصل بالحكومة، التي لا يستطيع أحد الالتزام عنها مسبقاً إلا أغلبية نيابية تستطيع وهي تتفق على الرئيس، أن تتفق على برنامج عمل تتعاهد أطرافها على التعاون في تحقيقها خلال العهد الرئاسي، وكلّ كلام عن مواصفات رئاسية تتصل بما يحتاج تحقيقه الى الحكومة، وليس فيه الرئيس إلا ثمرة توافق أغلبية نيابية تستطيع التوافق على البرنامج وهي تتوافق على اسمه، هو أحد أمرين، إما اعتماد مواصفات مبطنة لطلب رئيس موال للجهة التي تتحدث عن المواصفات داخلية كانت أم خارجية، أو جهلاً مريعاً في فهم المواصفات المطلوبة في الرئيس، أو دعوة غير مباشرة لضرب الطائف الذي أصبح دستور البلاد.
– الحديث عن الصلاحيات الرئاسية كقيد في تحديد مواصفات الرئيس، قدّمته تجربة الرئيس ميشال عون، حيث أدّى تفكك الغالبية النيابية التي توافقت عليه، وغياب أيّ برنامج حكم مشترك لمكوناتها عند التوافق، بل الاكتفاء بتفاهمات سلطوية بل البرنامج والمشروع، واعتبار الرئيس وفريقه انهم هم المشروع، إلى عدم الوفاء، ولو بداعي عدم القدرة واقعياً، بالوعود الإصلاحية التي تطلب اليوم من سواه، وخلافاً لظاهر الأمور فإنّ عدم تضمين مواصفات الرئيس برنامجاً أو التزامات هي من مسؤولية الحكومة، لا يعني أن لا مواصفات جوهرية للرئيس تنطلق من طبيعة مهمة الرئيس في بلد صعب معقد في لبنان، يحتاج رئيساً بلا برنامج، لكنه مستعدّ لدعم البرنامج الذي تلتقي عليه الغالبية النيابية التي تنتخبه، من خلال الحكومة التي تلي الانتخاب، والأمر على عاتق الكتل النيابية لا على عاتقه، لأنّ مهمة الرئيس الرئيسية ليست برنامج الحكم، وهي لا تقلّ أهمية عن هذا البرنامج، ويؤدّي إغفالها إلى تضييع عهد الرئاسة دون تحقيق شيء، وهي مهمة إدارة التوافق الوطني، الذي يشكل محور مهمة رئيس الجمهورية كما أرادها اتفاق الطائف، والأشدّ خطراً على لبنان هو رئيس يحوّل الرئاسة الى منصة حزبية أو فئوية تفجر الاستقرار ولو بداعي الإصلاح، والمطلوب رئيس قادر على تحويل الرئاسة إلى عنصر ضبط التوازنات، الى حدّ أنه معني بضبط أداء الغالبية التي تأتي به رئيساً بحيث يحول دون تغوّلها على الأقلية، يصفته ضامن التوافق الوطني، أو الديمقراطية التوافقية.
– رئيس يدير التوافق الوطني، هي الصفة الأهمّ للرئيس، ويجري تجاهلها بصورة مرعبة، تشير إلى أنّ عقلية اختيار الرئيس هي عقلية حرب أهلية وليست عقلية سلم أهلي، فالكل يريد رئيساً من فريقه ينتصر به على الخصوم، لا رئيساً يدير توافق الحلفاء، ويمنع تحوّل هذا التوافق على انتصار على الخصوم، وهذه الصفة التي تضمن الاستقرار، تتيح التقدّم الثابت ولو البطيء بكلّ خطوة إصلاحية او سيادية تحت سقف الحرص على إدامة التوافق، أي الاستقرار، وتضمن بالتالي منع الوقوع في الفراغ النيابي والحكومي، الذي تنتجه الأزمات الناجمة عن النظرات الفئوية الضيقة، وقد شهدنا خلال سنوات ما بعد 2005 فراغاً ممتداً لنصف المدة وأكثر، والرئيس المدير للتوافق أمامه شرطان الأول في بيئته، أن يكون واحداً من الزعامات المسيحية، وقد تمّ الاتفاق في بكركي على تسمية أربع زعماء، والأفضل أن يكون واحداً منهم، لكن أن يكون مقبولاً من الطوائف الإسلامية الثلاثة، أو من زعاماتها وكتلها النيابية الرئيسية، مطمئناً لها بابتعاده عن السعي لتحقيق مكاسب طائفية، أو الاستئثار بالحكم أو تعطيله، قادر على إدارة الحوار معها.
بهذه المواصفات يتميّز الوزير السابق سليمان فرنجية، عن شركائه الثلاثة في صفة الزعماء المسيحيين، وبكونه لن يحوّل الرئاسة الى منصة لتصفية الحسابات معهم، وما يزيد عن هذه الصفات، التي لا يملكها مثله الآخرون، هو إضافة ترجيحية، مثل قدرته على إدارة حوار مطمئن حول الاستراتيجية الدفاعية، وقدرته على إدارة حوار أخوي حول الملفات العالقة مع سورية، أكثر مما يستطيعه أيّ مرشح رئاسي آخر.
– الموقف من ترشيح فرنجية يعكس الموقف من مفهوم الديمقراطية التوافقية، ودور رئاسة الجمهورية الحاسم فيها.
2023-04-04 | عدد القراءات 892