خراب السودان نموذج دول التطبيع…وما كان ينتظر سورية لو انتصرت "الثورة"
التفاهم السوري السعودي يلقي بظلاله اللبنانية لتسريع التوافق والإفادة من الانفراجات
تفاعل كلام فرنجية من بكركي استعدادا لجلسة انتخاب بعد العيد…وارسلان عند جنبلاط
كتب المحرر السياسي
فشلت الهدنة الثانية في السودان واستمر الحريق يهدد حياة المدنيين ويقفل المستشفيات، والاتصالات السياسية السودانية والاقليمية والدولية تصطدم برهانات الطرفين المتحاربين على الحسم العسكري، رغم الكفة الراجحة للجيش التي ظهرت من استعادته لمطار مرويونقل صور صحفية من داخله تثبت سيطرة الجيش، بينما قوات الدعم السريع تتشبث بوجودها قرب مقار القيادة المركزية للجيش والقصر الجمهوري في الخرطوم، كدلالة على استحالة اخراجها من المعادلة العسكرية والسياسية، ، ولليوم الثاني كان وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن قد اجرى اتصالين مع كل من قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوة الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف ب حميدتي، بعد خمسة أيام من حرب مدمرة شملت كل محافظات السودان وتسببت بإغلاق المشافي وسقوط ثلاثمئة من القتلى وثلاثة آلاف من الجرحى وفقا لاحصاءات منظمة الصحة العالمية، وفيما اعلن الاتحاد الافريقي مساع لوقف القتال، وتباهى الموساد "الإسرائيلي" باجراء الاتصالات مع الطرفين المتحاربين للمساهمة في وقف القتال، على خلفية انضمام السودان الى مسار التطبيع، كانت كل من الرياض والقاهرة أكثر العواصم قلقا على أمنها القومي، والسودان جار مصر الجنوبي وامتدادها الطبيعي وشريكها في مياه النيل والأزمة مع إثيوبيا على خلفية سد النهضة، وهو جار السعودية عبر البحر الأحمر، والسعودية المثقلة بحرب اليمن وتداعياتها وقد كان السودان شريكها في الحرب، تجد نفسها مجددا أمام تهديد لأمنها عبر تحويل السودان إلى ساحة للفوضى والحروب، حيث يمتلك السودان نصف الساحل المقابل للساحل السعودي على البحر الأحمر على امتداد قرابة 500 كلم ، وهو النصف المقابل للمدن الكبرى، مثل جدة ومكة المكرمة، وبقيت العلامة الأبرز من مشهد الخراب السوداني، ما قدمته وتقدمه كمثال على ما يجلبه مسار التطبيع مع كيان الإحتلال من تسابق على المال والسلطة، في ظل تأكيدات سودانية أن الإستئثار بعائدات مناجم الذهب التي تسيطر عليها جماعة حميدتي يشكل سببا رئيسيا للصراع الدائر، خصوصا بعد ملامح واضحة لنهاية حرب اليمن التي كانت مصدر مورد جانبي للقيادات العسكرية بمئات ملايين الدولارات، وقالت مصادر سياسية عربيةان ما كان ينتظر سورية لو انتصرت قوى المعارضة المسماة ب "الثورة" هو النموذج الذي نراه اليوم في السودان، وما حال دون ذلك هو صمود سورية وقيادتها وجيشها بوجه الحرب الكونية التي شنت عليها و أضاليل وأكاذيب الحديث عن ثورة، والتمسك بثوابت سورية التي تشكل المقاومة محورها.
إقليميا ولبنانيا لا تزال تداعيات استقبال الرئيس السوري بشار الأسد لوزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان، حيث أهمية الزيارة من كونها تشكل الجسر الذي تبنى عليه الآمال للنهوض العربي الجديد يترجم مقولة الإستقلال الإستراتيجي الذي بدأت خطواته السعودية بالاتفاق مع إيران والصين، وفقا للوصف المستخدم من بكين، وسورية كانت أول العرب الذين قرأوا المتغيرات قبل حدوثها، بل كانت أول وأهم المساهمين في حدوثها، لأن البيئة الاستراتيجية الجديدة تتمثل في التراجع الأميركي والصعود الروسي والصيني، وهو ما تستثمر عليه الرؤية السعودية الجديدة في التوجه نحو إيران والانفتاح على سورية بعد طول إنقطاع، هي البيئة التي قدمت سورية التضحيات لصناعتها، والتي دعت بصورة مبكرة لملاقاتها عبر الدعوة لنظام إقليمي يقوم على التشبيك بين دول البحار الخمسة، المتوسط والأحمر والأسود وقزوين والخليج، ودفعت الثمن عبر الحرب الأميركية التي امتدت لعقد ونيف، وانتصرت عليها رغم تورط كثير من الأشقاء والجيران الذين خاطبتهم سورية للنهوض بنظام التشبيك والشراكة، وكان كلام الرئيس الأسد معبرا خلال استقباله اين فرحان بالقول ان التفاهمات السورية السعودية مصلحة ثنائية كما هي مصلحة عربية وإقليمية، أما لبنانيا، فمع التأكيد على الحاجة الماسة للبننة الاستحقاق الرئاسي، فان التلاقي الجاري على الصعيد الإقليمي خصوصا على مستوى اللقاء السعودي الايرانيو السعودي السوري يزيل من طريق التفاهمات اللبنانية أعباء انقسامات وصراعات الإقليم، ما يتيح للكتل النيابية مناقشة الخيارات الرئاسية بعيدا عن عقد التموضع على ضفاف انقسام اقليمي ارهق المنطقة وارهق لبنان، وآن الأوان للبنان ان يكون على ضفة عائدات التوافق بمثل ما تلقى عائدات الإنقسام.
لبنانيا أيضا ، بقي الحدث الأهم سياسيا هو الكلام الذي أطلقه الوزير السابق سليمان فرنجية من بكركي، بما يشبه البيان الرئاسي، داعيا اللبنانيين الى ملاقاة مناخ التسويات، محذرا من تسلل ذهنية التطرف "الداعشي" الى الوسط المسيحي بعدما تمت محاصرتها في الوسط الإسلامي على مساحة المنطقة مع التفاهمات الكبرى، بين السعودية وإيران وبين السعودية وسورية، معلنا أن ما بين يديه ينفي وجود أي فيتو سعودي، مبديا استعداده للحوار مع الجميع، وعن نظرته لدوره الرئاسي المقبل إذا توافرت ظروف فوزه بالرئاسة، قال فرنجية، أنه سيدعم رئيس الحكومة والحكومة في السير بالإصلاحات، وأنه سيرعى حوارا حول الاستراتيجية الدفاعية تحمي لبنان وتبدد الهواجس وتستثمر على امكانات الجيش والمقاومة، ويوظف صداقته مع الرئيس السوري بشار الأسد لمصلحة لبنان خصوصا في إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، وشكل كلام فرنجية مدخلا لنقاشات بين الكتل النيابية حول كيفية ملاقاة مرحلة ما بعد عيد الفطر واحتمالات الدعوة لجلسة انتخاب، يفترض أن تشهد تعاملا مختلفا عن الجلسات التي رافقت الانقسامات الإقليمية وتأثيرها اللبناني، و دعت مصادر سياسية إلى التقارب والحوار بين الكتل والقيادات متخذة من زيارة رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الوزير السابق طلال ارسلان لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الوزير السابق وليد جنبلاط، مثالا لما يجب ان تكون عليه تأثيرات التحرر من أعباء الإنقسامات الإقليمية .
2023-04-19 | عدد القراءات 828