صاحب الفخامة اسماعيل ناصر
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- نهدر كثيرا من الوقت والحبر على أسماء اللاعبين السياسيين لبنانيين وغير لبنانيين، فلا ضير أن انتبهنا إلى أن السياسة الحقيقية يصنعها غير السياسيين، مواطنون عاديون لم ينفقوا مالا لا يملكونه اصلا، ولا وضعوا خططا، لتظهر صورهم على الشاشات، أو تتردد أسماؤهم عبر وسائل الإعلام، كما يفعل السياسيون المحترفون عادة، لكن الأحداث وضعتهم أما اختبارات شديدة الجدية، فرضت عليهم خيارات شديدة الخطورة فاختاروا بكل بساطة ما يشبههم، ويثمل أقدارهم التي قرروا منحها أغلى ما عندهم، فصاروا صناع الحدث دون أن يطلبوا ذلك أو يسعوا اليه.
- قبل يومين خرج الجندي المصري محمد صلاح ببندقيته على جيش الإحتلال فقتل منهم ثلاثة وصار رمزا لأمته، وقال في السياسة كلاما بحجم معادلات سقوط التطبيع واتفاقيات السلام وجدران الأمن الافتراضي لكيان الاحتلال، و في فلسطين أمثلة كثيرة عن هؤلاء البسطاء الذين تحولوا إلى صناع سياسة، أحياء وشهداء، منهم الشهيد الشيخ خضر عدنان، ومنهم أم الشهيد ابراهيم النابلسي، ومنهم الشهيد الطفل محمد الدرة، ومنهم صاحبة السيرة المستمرة في رواية القدس وصمودها، أم كامل الكرد، التي رفضت ملايين الدولارات ثمنا لتسليم بيتها المقدسي للمستوطنين وارتضت لاحقا بعد طردها منه أن تسكن في خيمة وتحولها إلى مقر تواصل منه معركتها للدفاع عن هوية القدس فتلتقي القناصل والسفراء، وتبث الحماسة والنخوة بين الشباب المقدسي، تتحول إلى أيقونة فلسطينية.
- خلال حرب تموز 2006 شهدنا ظاهرة الحاجة كاملة سمحات، التي وقفت أمام عدسات الكاميرات بعد تعرضها منزلها للدمار في الضاحية الجنوبية، وقالت جملتها الذهبية التي بقيت تتردد حتى وصلت إلى مؤتمر هرتسليا، عندما توجه بها موشي أرينز لزملائه من قادة الكيان سائلا، أين نحن من هذا الشعب الذي تسقط بيوته فوق رؤوسه ويخرج قائلا "فدا اجر السيد؟"، وهو يرد على المعترضين على نقص خدمات الجبهة الداخلية، وبقيت الحاجة كاملة أيقونة صمود شعب وبيئة المقاومة حتى رحيلها، لكنها كانت واحدة من صناع الرأي العام الذين لم يخططوا ولم يسعوا ليكونوا من المتحدثين في السياسة.
- بالأمس خرج اسم جديد من هذا الصنف الذي يضج بالحيوية والنقاء والوضوح، نموذج لم يتلوث عناصر الحسابات و البوانتاج لربح المعارك وخسارتها، لا يعرف كل المناورات والتكتيكات، و القضايا عنده أبيض وأسود، يا قاتل يا مقتول، اسماعيل ناصر ابن بلدة كفرشوبا، سمع بالتجريف في خراج بلدته، حيث أرضه التي يحاول الاحتلال وضع اليد عليها، قفز فوق السياج وتصدى للجرافة بجسده، مستعيدا مشهد المناضلة الأميركية في غزة الشهيدة راشيل كوري، وفيما الجرافة تلتهم تراب أرضه، تقترب مسبباتها منه أكثر، وهو يتلو آيات الصمود حتى الشهادة، لكن اسماعيل يدرك أن الزمن قد تغير الاحتلال أضعف من أن يتحمل دمه ويغامر، وأعجز من أن يسدد فاتورة حرب قد تشعلها شهادة اسماعيل، وتراجعت الجرافة وتوقفت واستسلم الاحتلال لإرادة اسماعيل .
- يستحق صاحب الفخامة اسماعيل ناصر ان نحتفل به، وأن نرفع صوره في بيوتنا، وأن نجعل منه مثالا للمواطنة التي ننشدها بين أبناء بلدنا، الذي تتناتشهم العصبيات و الطائفيات، حتى صار سهلا على بعضهم نكاية ببعض آخر ان لا يعتبر العدو عدوا، وربما أن لا يعتبر الوطن وطنا، عسى ان تستفيق فيهم بعض نخوة وروح وطنية مع مشهد مواطن يستل جسده مشروع شهيد، ليقول هذه أرضي وهذا وطني.
- ننتمي إلى وطن اسماعيل ناصر، وليس الى حيث حروب الطوائف والفدراليات، و معارك طواحين الكلام، وحيث الطوائف أكبر من الوطن، والحزبيات و الفئويات أهم من الوطنية، ففي وطن اسماعيل ناصر ثمة طائفة واحدة وحزب واحد، طائفة اسمها الوطن وحزب اسمه الوطن، عساهم يتعلمون، وعساهم يكونوا قد سمعوه يتكلم بأفضل ما يكون الكلام!
2023-06-07 | عدد القراءات 378