جنين ونقطة التحول نقاط على الحروف ناصر قنديل

جنين ونقطة التحول

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- شكلت معركة جنين التي امتدت لقرابة اثنتي عشر ساعة، بين قوى المقاومة وجيش الاحتلال، مشهدا ملحميا استحضرت فيه المقاومة وعلى رأسها كتيبة جنين، كما وصف المحللون في كيان الإحتلال، ما سبق و شهدته غزة وما شهده جنوب لبنان، والمقصود تطور العمليات الى مستوى يتيح تكبيد قوات الاحتلال خسائر تجعل قرار الانسحاب على الطاولة مرة تلو مرة.

- التطور الذي حملته مواجهات جنين أمس باعتراف قادة الكيان يمثل نقطة تحول في مواجهات الضفة، ليس بسبب ظهور العبوات الناسفة في عمليات المقاومة خلال مواجهة قوات الاحتلال فقط، بل بما يقف خلف هذه العبوات وما رافقها من مؤشرات تقول بأن المقاومة تقوم بتطوير قدراتها وتكتيكاتها، لتلاقي ما سبق وعرفته تجارب المقاومة في جنوب لبنان وغزة التي انتهت بالتحرير، ومأزق جيش الإحتلال في الضفة الغربية أنه لا يملك خيار الإنسحاب، لأن احتلال الضفة الغربية والقدس مصدر شرعية الكيان عقائديا، ولا توجد حكومة تمتلك مشروعية البحث في الفكرة وليس في الجرأة على تنفيذها، ومصير اسحق رابين لا يزال ماثلا أمام كل من يتحمل مسؤولية سياسية في الكيان لما ينتظره إذا قرر المخاطرة بالتصادم مع المشروع العقائدي الصهيوني، وهذا حدث عندما كانت الحياة السياسية في الكيان لا تعرف بعد غالبية آتية من مناخات التطرف الديني والقومي.

- الذي سيجري عمليا، هو تصاعد المواجهات في الضفة الغربية، حيث لا يملك أي من الطرفين، المقاومة والاحتلال، فرصة التراجع أو التهاون، حيث المقاومة تترجم خيارا استراتيجيا يلاقي حلة نهوض شعبي وشبابي خصوصا، عبر عن نفسه خلال سنتين متصلتين وأكثر، وكانت معركة سيف القدس قبل عامين وأكثر إحدى تجلياته، وتحققت خلال هذه المسيرة المتصاعدة التي فشل الاحتلال في وقفها، وحدة ساحات الضفة وغزة والقدس، ولو استمرت اي من جولات المواجهة لوقت أطول كانت لاقت تفاعلا من الأراضي المحتلة عام 1948، كما جرى خلال معركة سيف القدس، أو تفاعلا من جبهات تتواجد عليها قوى مقاومة ضمن محور العن التزامه بفلسطين ومقاومتها، خصوصا من لبنان وسورية، كما حدث خلال معركة الأقصى التي شهدها الربيع الماضي وأطلقت خلالها صواريخ من الجبهتين جعلت قيادة جيش الاحتلال تعيد حساباتها، وقد أظهرت معركة ثأر الأحرار التي بدأها جيش الإحتلال، لفك هذا الترابط عبر استهداف حركة الجهاد الإسلامي ومحاولة إخراجها من ساحة الاشتباك، أن قدرة الردع الاسرائيلية قد فقدت القدرة على رسم المعادلات والصمود أمام ما باتت تمثله قوى المقاومة على جبهات مختلفة، وأن النتائج المترتبة على كل محاولة لترميم قدرة الردع المتهالكة سوف تجعل تآكلها و اهترائها أسرع وأقوى.

- بالمقابل لا لا يملك جيش الاحتلال فرصة التراجع، خصوصا مع المكانة المؤثرة لجماعات التطرف في مركز القرار الإسرائيلي، وكل نظريات انشاء الحرس الوطني وتوسيع نطاق الاستيطان في الضفة الغربية و الرهان على دور القوة المفرطة في توفير فرص الحياة أمام مشاريع الاستيطان، و ما قالته مواجهات جنين أن كل نظريات توسيع الاستيطان ونظريات بناء الميليشيات ، لن يكتب لها النجاح ما لم يتم تغيير موازين القوى بوجه المقاومة في الضفة، حيث قالت معركة جنين ان مساحة سيطرة الاحتلال وحرية تحرك وحداته سوف تضيق تدريجيا، وتتوسع مقابلها الرقع الجغرافية الخارجة عن سيطرة الاحتلال، وهذا سوف ينعكس حكما على البيئة الأمنية للمستوطنات التي سوف يحكمها قانون موضوعي يفرض عليها التقلص نحو التمركز، والابتعاد عن ممرات ومناطق يملك فيها الفلسطينيون كثافة سكانية وحالة نهوض شبابية مقاومة، ما يعني أن المسار الطبيعي المرتقب تحول الضفة الغربية الى ثلاثة كتل جغرافية، تتوسط كل منها مدن جنين ونابلس والخليل، وتنحصر الكتل الاستيطانية بينها في تجمعات كبيرة، وهذا يعني ولادة أكثر من غزة في الضفة، وتلك بداية انهيار تاريخية لا جغرافية وحسب، للكيان، وأكبر تعبير عن مأزق الوجود، والتحدي الذي لا يمكن تجاهله ولا تفاديه، يحبث يجد الكيان ان اي حرب كبرى مع شمال الضفة تمتد أيااما ستتكفل بتفجير حرب مع غزة، وأي حرب كبرى مع غزة لا قيمة لها دون التورط بحرب برية، وأي حرب برية سوف تعني تحمل خسائر كبيرة، وقد تتسبب بتفجير مواجهة أقليمية أوسع.

- جنين تفتح مسارا تاريخيا جديدا في المنطقة وليس فقط في فلسطين، وتقول أن التغيير الجوهري في الموازين والمسارات سوف يبقى نتاج ما يجري في فلسطين.

 

2023-06-20 | عدد القراءات 364