هل للمسيحيين مصلحة بالفدرالية والتخلي عن الرئاسة والمناصفة ؟
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- أغلبية الذين يتبنون الفدرالية في لبنان ينتمون الى الطوائف المسيحية، وبعض هؤلاء يطرح
مضمونا فدراليا للحلول الدستورية ويتفادى تسميتها بالفدرالية، وبعضهم يتجاهل أن في لبنان
ونظامه السياسي الكثير من الفدرالية، فما هو الجديد الذي يريد دعاة الفدرالية إضافته الى ما هو
قائم، وما تم تمريره خلال قوانين الانتخابات النيابية من سمات فدرالية عبر جعل النواب
المسيحيين عموما ينتخبون بأصوات الناخبين المسيحيين، بنسبة 54 من 64 نائبا كما تقول
الكتل النيابية الكبرى ذات الغالبية المسيحية او العنوان المسيحي، التي تعتبر أنها تمثل
المسيحيين سياسيا، وما تحاول هذه الكتل فرضه عبر الاستحقاق الرئاسي بالدعوة عمليا لجعل
رئيس الجمهورية كونه مسيحيا منتخبا عمليا بأصوات النواب المسيحيين؟
- خلفية تقديم الفدرالية بالصيغتين المعروفتين عالميا، نموذج سويسرا، للفدرالية الجغرافية القائمة
على تقسيمات إدارية لولايات ذات غالبيات طائفية، و نموذج بلجيكا للفدرالية الديمغرافية، عبر
تقسيم لبنان السياسي عموديا إلى مجموعتين طائفيتين إسلامية ومسيحية، على مساحة لبنان
الموحد كله، هو القول للمسيحيين بأن وضعهم كأقلية سكانية سيزداد حضورا وقوة، ولن تعود
المناصفة صيغة يمكن الدفاع عنها أمام الإحتلال العددي الكبير بين نسبة المسلمين ونسبة
المسيحيين، وأن المصلحة المسيحية تتمثل ببناء كيان مسيحي وكيان مسلم تحت ظلال الكيان
اللبناني الواحد، والسعي لتوسيع قاعدة صلاحيات الكيانين المسيحي والمسلم على حساب الدولة
الموحدة، وعندها لا تبقى قيمة لتوازنات العدد بين المسلمين والمسيحيين، وتشكل اضافات
الحديث عن الاختلافات في الثقافة والعادات الاجتماعية ونمط العيش مجرد مقبلات للطبق
الفدرالي، لأن كل بلاد العالم تعرف هذا التعدد والتنوع في تركيبة سكانها، وفي الدول الفدرالية
نفسها يلاحقها التنوع داخل الولايات الأصغر من الدولة الأم، كما هو الحال بين المتحدرين من
أصول أوروبية و المتحدرين من اصول افريقية في الولايات المتحدة الأميركية ام الفدراليات في
العالم، وكما هو حال المسلمين في كل دول أوروبا ذات الأغلبيات المسيحية.
- لا بد من العودة للتذكير بأن الصيغة السياسية للنظام اللبناني أخذت عن الفدرالية الكثير، حيث
تتمتع الجماعات الدينية المسماة طوائف ومذاهب، باستقلال في محاكم الأحوال الشخصية،
ولديها جامعاتها ومدارسها ومستشفياتها وكشافتها ومؤساتها الاعلامية، وتشكل الأساس المعتمد
في توزيع مناصب الدولة، نظريا من مستوى رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة
والوزراء والنواب ومناصب الفئة الأولى، وعمليا على مستوى كل وظائف الدولة وصولا
لحراس الأحراش، وتمت خلال قانون الإنتخابات النيابية بصيغتيه عام 2008 و2017، اضافة
تعديلات على آلية انتخاب النواب تتيح جعل المناصفة اقرب الى الفدرالية، حيث تنتخب كل
طائفة نوابها عبر ناخبيها، بنسبة تصل الى 90%، وبقي غطاء وطني شكلي يربط ويجمع
الناخبين وتشاركهم من كل الطوائف في انتخاب كل النواب، وما يجب أن يعرف هو أنه لولا
دور حزب الله بالضغط على شركائه من المسلمين للقبول بهذه التعديلات تلبية لرغبة حليفه
المسيحي التيار الوطني الحر، لما كان لهذه التعديلات أن تمر، خصوصا أن الذين عايشوا ولادة
اتفاق الطائف، ومنهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري كانوا يؤكدون ان جوهر فلسفة المناصفة
تنبع من رفض تحويلها الى تمييز عنصري يمنح لبنانيا صوتا ولبنانيا آخر ربع صوت، ولذلك
لا مانع من تمثيل الناخبين مهما كانت توازنات العدد بين مسلميهم ومسيحييهم طالما أنهم
يتشاركون قوة تصويت متساوية، أي ان يأتي نائب مسيحي عن مقعد بقوة تصويت ناخبين
اغلبيتهم مسلمة، لا يضير المسلمين بل يعبر عن التزامهم بالعيش المشترك، أما جعل النائب عن
المقعد المسيحي منتخبا عبر الناخبين المسيحيين حصرا، فهذا نقيض الطائف وفلسفة المانصفة،
ومخاطرة بالتحول الى نظام فصل عنصري، أشد سوءا من الفدرالية.
- الشيء الأكيد في مفهوم الفدرالية هو أنها لا تلغي وجود دولة جامعة تتولى السياسة الخارجية
والسلطة النقدية والمسؤولية الأمنية والعسكرية، بمفهوم دبلوماسية واحدة وجيش واحد وليرة
واحدة، وبالتالي لا تقدم الفدرالية جوابا على الأسئلة الخلافية التي يتحدث دعاة الفدرالية عنها
كأسباب لدعوتهم، وهذا ما دفع كبار القادة المسيحيين تاريخيا بعدم المناداة بالفدرالية، فكان منهم
من يدعو للتقسيم كما فعلت القوات اللبنانية في فترات سابقة، وليس للفدرالية، لكن الغالبية
رفضت الفدرالية لأنها تنقل التمثيل الطائفي من الدولة المركزية الى الولاية الطائفية لصالح
دولة مركزية لا مكان فيها للطائفية، فعندما يتم تشكيل ولايات على أساس الطوائف تكون الدولة
الأم لا طائفية مئة بالمئة، فلا رئاسة ولا مناصفة في البرلمان والحكومة ولا مناصب موزعة
على أساس طائفي مثل حاكم المصرف المركزي وقائد الجيش ورئيس مجلس القضاء الأعلى،
وسواها، وكانوا يعتقدون أن هذه المكاسب من الصيغة الطائفية لدولة موحدة، أهم بكثير من
الانفراد بكانتون يقال للمسيحيين انه اعلى مستويات تحقيقهم لذاتهم السياسية.
- هل تغيرت نظرة القيادات المسيحية الروحية والسياسية لهذه المعادلة، وهل يجب أن تخشى
القيادات المسيحية من لحظة تصبح فيها الفدرالية مطلبا للمسلمين طالما أن مرادفه دولة
مركزية لاطائفية، فيصير المسيحيون عمليا في حكم ذاتي إداري ضمن دولة قد لا يملكون فيها
مناصب عليا؟
- مصلحة المسيحيين ومصلحة كل اللبنانيين، بالخروج من هذا المستنقع الفكري وأوحاله الآسنة،
والانطلاق إلى رحاب التفكير الوطني، ببناء دولة المواطنة التي تحفظ للطوائف بعض
الخصوصيات ضمن مجلس الشيوخ وطائفية الرئاسات، الدولة اللاطائفية وحدها تكون دولة
قانون يساوي بين أبنائها ويصعدون في مؤسساتها بكفاءاتهم وتتم محاسبتهم بالتساوي أمام
القضاء، وحدها دولة المواطنة تؤمن الخدمات لمواطنيها كواجب عليها لا منة من زعماء
الطوائف يتسولها المواطنون على أبوابهم، وحدها دولة المواطنة تبني اقتصاد الإنتاج لا الريع،
وتكون دولة الرعاية والحماية لا دولة الزبائنية والمحسوبية.
2023-06-23 | عدد القراءات 920