ماذا تقول تجربة فاغنر وتمردها ؟
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- حبس العالم أنفاسه خلال يوم كامل فصل بين انطلاق ونهاية تمرد مجموعة فاغنر الروسية التي
تضم خمسة وعشرين ألف مقاتل حسب قول رئيس شركة فاغنر الملكة للمجموعة، يفغيني
بيغورجين، وكثرت التحليلات والتوقعات مع نجاح التمرد بالسيطرة على مدينة روستوف
والقيادة العسكرية للعمليات في أوكرانيا والمطار العسكري فيها، ثم اندفاع قافلة عسكرية ضخمة
نحو العاصمة موسكو تضم مئات الآليات ووصولها الى مسافة أقل من مئتي كيلومتر عنها، وبدأ
الحديث في الغرب عن انهيار روسي وشيك، وفوضى عارمة، و تداعيات دراماتيكية على
الحرب في أوكرانيا، وهروب الرئيس الروسي الى بطرسبورج، ووصل البعض للحديث عن
حرب أهلية ليس ما يحدث الا بداياتها.
- النهاية السلمية للتمرد تحت سقف ثوابت الدولة الروسية، أي خروج قائد فاغنر من المشهد نحو
إقامته في بيلاروسيا، يؤكد ان النهاية أكدت سلطة الرئيس فلاديمير بوتين على مجريات
الأمور، خصوصا ما يتصل بمقتضيات الحرب في أوكرانيا، وحتى لو تمت اقالة او استقالة
وزير الدفاع ورئيس الأركان لاحقا فلن يكون ذلك ضمن شروط انهاء التمرد، بل ضمن
الدروس المستفادة من التمرد، في سياق تحسين شروط إدارة الحرب وتوفير شروط أفضل
للفوز بها.
- سرعة اندفاع قوات فاغنر المتمردة ونجاحها بإحداث اختراق جغرافي كبير في الأراضي
الروسية وصولا الى اطراف موسكو يعكس نقاط ضعف وثغرات أمنية في القواعد التي تضبط
تحرك المجموعات غير المنضوية في الجيش الروسي وقطعاتها عبر الحدود، وحدود المسموح
لها بتحريكه من أسلحة ومجموعات مسلحة من وإلى روسيا، وخريطة الأمن العسكري سوف
تكون موضع مراجعة أكيدة لردوس مرحلة ما بعد التمرد.
- الخلاصة الأهم التي قالها التمرد وشعور القيادة الروسية بالحاجة للاستغناء عن قائد فاغنر،
وعدم ائتمانه على مسؤولية بحجم الشراكة في قرار حرب وطنية، ضمن صيغة ومفهوم
الشركات التجارية الأمنية والعسكرية التي تضم مرتزقة ومحكومين رهانا على روح وطنية
تطغى على حسابات شهوة السلطة والنفوذ والمال، هي أن تجربة هذه الصيغة المستوردة من
النموذج الأميركي للشركات التجارية الأمنية والعسكرية وشراكتها في الحروب مثل حال شركة
بلاك ووتر، جاءت بنتائج سلبية، ولا يمكن اعتبارها تجربة ناجحة، او حتى تجربة اخلاقية
تنسجم مع الأهداف الوطنية للحرب التي تخوضها روسيا، فيما ثبت ان الجيش الوطني، رغم كل
الثغرات التي يمكن نسبتها للبيروقراطية والفساد فيه، هو حصان الرهان الرئيسي للدول
والشعوب في حروبها الوطنية، ويبقى هو الحصن والملاذ والجهة التي يجب أن تناط بها وتدار
عبرها كل تفاصيل الحرب.
- ليس عابرا في السياسة ما قاله بيغورجين عن اعتبار الحرب في أوكرانيا خطأ ، واعتبار القلق
من مشروع انضمام أوكرانيا للناتو مجرد وهم، واعتبار وجود النازيين فيها كخطر داهم مجرد
كذبة، فهذا كلام في السياسة وليس مجرد انتقادات ادارية لوزير الدفاع ورئيس الأركان، وهو
دعوة ضمنية لتبني السردية الأوكرانية والغربية حول اعتبار ما سمي بـ المخاوف الروسية
افتراءات لتبرير الحرب، وهذا تقديم أوراق اعتماد للغرب يضع رئيس فاغنر خارج الخيارات
الروسية الوطنية الكبرى، يوضح معنى وصف الرئيس بوتين التمرد بالخيانة.
- أظهرت التجربة أن السلاح الأمضى الذي أتاح التفوق على التمرد وإجهاضه، كان الشرعية
الدستورية التي تمثلها الرئاسة، والإطار المعنوي الذي وفره الالتفاف الشعبي والسياسي حول
الرئيس بوتين، كما أظهرت أن الغرب الذي يعيش العمى الاستخباري في توقع ومواكبة
الأحداث الكبرى، يعوم على شبر ماء فيها عندما تقع، ويبدأ بترويج الأكاذيب حول معرفته
المسبقة ونشر توقعاته، وكلها سرعان ما تكشفت عن أكاذيب، وثبت أن كل الأوهام والأحلام
التي تم تسويقها عن توقعات الأيام والأسابيع القادمة في روسيا وعلى جبهات الحرب كانت
فقاقيع صابون تلاشت بسرعة .
- لقد شهدنا في سورية وخلال الحرب عليها أوهاما وسرديات غربية نسجت حولها، كما شهدنا
أهمية امساك الرئيس بشار الأسد بسلاح الشرعية الدستورية والتحكم بادراته بحكمة وشجاعة،
وكيف لعب دورا حاسما في نصر سورية، وكيف تلاشت أسماء منشقين من رتبة رئيس
حكومة، ومؤسس الجيش السوري الحر، رياض حجاب ورياض الأسعد، ولم يعد يتذكر أي
منهما، ولا يذكر عنهما شيء.
2023-06-26 | عدد القراءات 977