هل استنفدت الحرب في أوكرانيا الرهانات الأميركية؟
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- عندما نتحدث عن كل الملفات الدولية لا نستطيع تجاهل واشنطن، وعندما نتحدث عن واشنطن،
لا نستطيع انكار أو تجاهل أن العيون الأميركية شاخصة نحو حرب اوكرانيا، وأن الانتظار
الأميركي الذي يتسبب بجمود سياسي للكثير من الملفات عائد للترقب الأميركي لمتغيرات
الحرب هناك، وكما يبدو فان الانتظارات الأميركية ليست مبنية على أوهام أميركية على قدرة
الجيش الأوكراني رغم تزويده بكل التكنولوجيا الأميركية، سلاحا ومعدات وصواريخ باتريوت
و مدرعات برادلي ومعلومات أقمار صناعية وقيادة عمليات، فسقف ما تعرفه واشنطن عن
قدرات الجيش الأوكراني هو عدم السقوط بضربة روسية قاضية، تعرف ان موسكو لا تسعى
إليها، لأن ليس لدى موسكو خطة لاحتلال كامل أوكرانيا، وهي تعتبر ذلك عبئا عليها تفاديه،
والسعي لتوظيف المسرح العسكري لإنضاج مناخ تفاوضي ينتهي بتسوية تلبي لها شروطها،
وهو ما كاد يتحقق بعد دخول الجيش الروسي الى كييف، وانسحابه منها، عندما وافق الرئيس
الأوكراني على الشروط الروسية وأبلغ الوسيط التركي بذلك، وجاء الانسحاب من كييف ترجمة
للاتفاق، قبل أن ينقلب الرئيس الأوكراني ويتراجع بضغط أميركي وعد بحدوث مفاجآت تغير
المشهد، إذا صمد الجيش الأوكراني فقط، مع وعود مالية و تسليحية تضمن هذا الصمود.
- في بداية الحرب كان معلوما ما هو السلاح السري الذي كان يراهن عليه الأميركيون ويدعون
أوكرانيا للصمود بانتظار نتائجه، فقد حشدوا أضخم سلة عقوبات غربية شاملة على روسيا
يفترض ان تؤدي الى انهيار نظامها المالي والمصرفي، وتحويل عملتها خلال أيام إلى مجرد
أوراق لا قيمة لها، وبالرغم من كل الدعاية التي رافقت العقوبات، لم يعد من مجال لنقاش اليوم،
بأنها فشلت فشلا ذريعا، بل إن أي تقييم علمي للأبعاد الاقتصادية لحرب أوكرانيا سوف يكشف
ان الخاسر الإقتصادي الأول فيها هم الأوروبيون وليسوا الروس، خصوصا في ظل ما تركته
أزمة الطاقة على الاقتصاد الأوروبي بعد انقطاع سلاسل توريد الطاقة الروسية إلى أوروبا،
ورغم كل الكلام عن الاستعداد لهجوم أوكراني معاكس وارسال معدات نوعية منها الدبابات
لتحقيق قدرة أوكرانية على النجاح، كان السؤال ما هو السلاح السري الجديد، الذي يراهن عليه
الأميركيون، ويفترض بأوكرانيا الصمود حتى تظهر نتائجه، لأن أي عاقل يملك الحد الأدنى من
القدرة على تمييز عناصر القدرة العسكرية، والموقع الاستراتيجي للحرب بالنسبة لروسيا،
يستطيع الجزم، أن موسكو التي لا نية لديها لاستخدام السلاح النووي لأنها على ثقة بما لديها
عسكريا، وتفوقها الكاسح، لكنها مستعدة لتفعيل السلاح النووي إذا كان الخيار بينه وبين الهزيمة
في الحرب.
- منذ خريف العام الماضي والتبشير مستمر بهجوم أوكراني، وتم اختيار موعد الربيع للهجوم
المرتقب عبر الإيحاء بأن ظروف الطقس تتحكم بموعد الهجوم وليس للأمر علاقة بالجاهزية
ولا بالثقة والقدرة، ثم مر الربيع ولم يحدث الهجوم، وبدا أن الحديث عن توفير عتاد اضافي مثل
الدبابات وشبكات صاروخية للإسناد، لم يكن إلا للإيحاء بأن ثمة نواقص لوجستية تبرر التأخير،
ثم قيل إن الهجوم بدأ، وكما يبدو لإبقاء العين على الجبهة، حتى لو ان النتيجة معلومة، وهي
تدمير القدرات الأوكرانية، ذلك أن السلاح السري المرتقب يبدو أنه لم يكن جاهزا للتفعيل، حتى
جاء تمرد رئيس شركة فاغنر، وتوغله نحو موسكو، وهو ما لا يمكن حدوثه من عسكري
محترف إلا بناء على معطيات تقول ان هناك شيء سيقع في موسكو يلاقي ما قام به عبر
الحدود، وكان الخطاب السياسي لرئيس فاغنر كافيا لتحديد تموضعه تحت السقف الغربي،
بتسويق أسباب تقول ان كل الحرب على أوكرانيا كانت مبنية على أكاذيب، وعندما لم يحدث ما
كان متوقعا، أو حدث وتم القضاء عليه قبل ان يظهر على السطح، استسلم رئيس فاغنر، وفشل
الهجوم الحقيقي لواشنطن، وبدأ القلق الحقيقي على مصير أوكرانيا وجيشها ورئيسها.
- اليوم تنقلب الصورة فالرسالة التي تريد ارسالها واشنطن من خلال القنابل العنقودية أهم من
القنابل نفسها، وجوهرها إن واشنطن مستعدة لتخطي المحرمات لمنع سقوط أوكرانيا، وهذه
الرسالة عشية قمة دول الناتو في ليتوانيا، تمهيد لما سوف يصدر عن القمة بذات المعنى،
وسوف يكون الرد الروسي المرتقب من ذات العيار، وربما عبر بيلاروسيا كما تخشى بولندا
وليتوانيا معا، ولا تبدو زيارة الرئيس الأوكراني إلى تركيا برعاية أميركية على الجانبين
الأوكراني والتركي، بعيدة عن مناخ بحث الخيارات الكبرى، بين التفاوض التصعيد.
2023-07-08 | عدد القراءات 387