يروي محمد حسنين هيكل في احد كتبه أنه قال لعبد الناصر ذات مرّة ، وكان اولاد ناصر في هذا الوقت أطفالًا تتراوح أعمارهم بين الخامسة والإثني عشرة عامًا ، قال له متسائلًا ، لماذا لا نبني لهؤلاء الأولاد بركة سباحة يقضون فيها وقتًا ممتعًا في صيف القاهرة القائظ ، أسوة بكثير من الأسر المصرية ميسورة الحال ، والذين لديهم برك سباحة في بيوتهم يستمتعون بها ويروّحون عن أنفسهم … ولكن عبد الناصر أجابه فورًا ، بأنني لن أضيف أعباءً أخرى على ميزانية مصر لمتعتي الشخصية … قفّل على الموضوع … قفّل هيكل على الموضوع ، ولكنه وبعد فترة عاد وأثار المسألة بإلحاحٍ هذه المرة … مضيفًا بأن هذه البركة ستبقى ملكًا للدولة ، وأنك لن تأخذها معك حينما تغادر … وبعد لأي طلب ناصر من هيكل ان يستدرج عروضًا عن الكلفة التي ستترتب على انشاء هذه البركة … ذهب هيكل وأجرى اتصالاته وأتى أخيرًا بالعرض الأفضل وقدمه لناصر … نظر ناصر الى العرض والكلفة التي ستنفق على انشاء بركة السباحة ، وكانت ثمانية آلاف جنيه … وما ان نظر ناصر الى الرقم حتى امسك بالعرض والقاه الى صندوق القمامة … قائلاً لهيكل … إنسى … انسى الموضوع … لن اكلف ميزانية الدولة مبلغًا كهذا . في منطقة أخرى ، ولكن في ذات المرحلة الزمنية ، كان احد ملوك العرب يدخل احد منتديات القمار في مونت كارلو ، وكان خلفه مرافقيه يحملون حقائب السمسونايت الكبيرة محشوّة بأوراق البنكنوت من العيار الثقيل … جلس جلالته الى مائدة القمار ، واخذ يلعب ، وتقاطرت النادلات الشبه عاريات يقدمن كؤوس الويسكي والنبيذ المعتق والفودكا له ولمرافقيه … وكان يعطي بقشيشًا لكل واحدة من هاتيك الحسناوات مع كل كأس تقدمه اليه … كان البقشيش وحسب ما تسرب ممن شهدوا ذلك المشهد يساوي عشرة اضعاف كلفة بركة سباحة اولاد عبد الناصر التي لم تر الوجود … ذهب عبد الناصر منذ ثلاثة وخمسين عامًا … وبقي الاوغاد وتكاثروا ، واصبحوا يمنعون عنا حتى ضوء الشمس … فأصبحنا نعيش مع الذاكرة والأحلام … ذاكرة ذلك الفارس النبيل … وأحلام بأن يكرره الزمان مرة اخرى .
سميح التايه
2023-09-29 | عدد القراءات 262