منذ اليوم الأول لهجوم داعش على عين العرب – كوباني كان السؤال عن سر الهجوم الذي تم في وقت يعيش تنظيم داعش مشكلة تنسيق جبهاته بعد فشل التقدم نحو أربيل ، و الحاجة لتركيز القوات من جهة وربط المعارك بالعناوين والقضايا التي يرفعها التنظيم من جهة أخرى ، فهجوم أربيل أظهر أن التنظيم يصاب بالضعف والخسارة من وراء الهجمات التي تبتعد عن الأهداف المعلنة له بحسم صفته كممثل من يسميهم أهل الخلافة والسيطرة على مناطق تواجدهم ، و القتال بوجه الدولتين السورية والعراقية وفقا لأدبيات التنظيم .
بدلا من أن يؤدي الفشل في أربيل إلى تعديل البوصلة نحو أهداف تشبه إداعاءات التنظيم لإستعادة صورته كفريق يحدد اهدافه وفقا لأولويات يرسمها بنفسه بعدما بدا من هجوم اربيل أن التنظيم أداة تركية لتأديب الأكراد ، قام التنظيم بحشد قواته وخيرة مجموعاته واسلحته نحو بلدة كردية على الحدود السورية التركية هي عين العرب – كوباني بهدف السيطرة السريعة عليها دون إتضاح اي سبب خاص بالتنظيم وأهدافه الخاصة ، بإستثناء أنه يفعل ذلك لتنظيف الحدود التركية من أي وجود كردي ، لحساب الحكومة التركية بصورة مباشرة ، وبدا أن الدرس الوحيد الذي تعلمه التنظيم من تجربة أربيل هو التمييز بين الأكراد المحسوبين على واشنطن كحال أربيل التي قال الأميركيون أنها خط أحمر وترجموا أقوالهم أفعالا ألحق الأذى الفعلي بقوات داعش ، وبين عين العرب – كوباني التي قال الأميركيون أنها ليست خطا أحمرا ومهدوا لتقبل لسقوطها قبل أن يبايع قادة لجان الحماية الكردية مسعود البرزاني فيبدأ تدخل الطيران الأميركي ليوحي أن الحرب صارت عند خطوطه الحمراء وممنوع سقوط كوباني .
تغير الوضع الميداني ، وأراد الأميركي إظهار التغير مرتبطا بدخول وحدات رمزية من البشمركة ، رغم التعطيل والممانعة التركيين ، وتحقق توازن في عين العرب كوباني بين المشيئتين التركية الواقفة وراء داعش والأميركية الواقفة وراء البشمركة وظن كثيرون ان لجان الحماية الكردية صارت في الجيب الأميركي عبر البرزاني وبيعته .
تأتي حوارات موسكو وتكشف المفاجآت ، فقد تبين أن لجان الحماية الكردية ومرجعيتها السياسية هي الفريق المعارض الرئيسي المسلح القادر على التطابق مع معايير حل سياسي يقوم على بحث مطالب سياسية مع الحكومة ويقاتل بوجه الإرهاب ولم يشهر سلاحه بوجه الدولة والجيش السوريين ويؤمن صادقا بالحل السياسي ، ويسيطر على مناطق الأكراد في سورية من الحسكة إلى ريف حلب ، و أعلنت اللجان والتجمع السياسي الذي يقودها مشاركتهم في حوارات موسكو .
تركيا التي وصفها السيد حسن نصرالله بالقوة الوحيدة المعطلة لكل حل سياسي ، تلقت الرسالة وأدركت أن موسكو تمسك أوراقها جيدا ، و تحفظها للوقت المناسب فلا وجود أميركي مستقل في سوريا ، وكل التشكيلات المسلحة التي يحار الأميركيون في وصفها وتصنيفها هي إمتدادات لحلفائهم ، وظهر أن كلها داعش ونصرة في نهاية المطاف ، ورغم الإصرار على وصفة معارضة معتدلة مسلحة بدا الرهان خائبا وتبخرت أدواته بينما موسكو الحليف القوي للدولة والجيش في سوريا لديها حليف معارض مسلح يقاتل الإرهاب دون سائر المعارضات المقيمة في تركيا ، فالمواصفات وضعتها واشنطن للمعارضة المثالية لكن الذي طبقها هو موسكو الحليف الأول للدولة السورية .
معارضات السعودية وقطر وإسرائيل المسلحة كلها صارت في أنقرة ، وكلها إرهاب وفقا لتصنيفات واشنطن والأمم المتحدة ، ومقابلها معارضة مسلحة مع موسكو تقاتل الإرهاب ، ومعارضات سياسية تتقاسمها أنقرة وموسكو بعدما سلمت قيادة الإئتلاف لأنقرة ، وصار الذين يقفون خارج الإئتلاف عموما عند موسكو .
معركة تمثيل المعارضة السورية في الحل السياسي عنوانها حوار موسكو ، لكن ميدانها حرب اعلنتها تركيا بواسطة داعش أمس على عين العرب - كوباني بهجوم كبير ، والإعلان الأميركي والأممي عن دعم حوار موسكو يختبر في عين العرب ، فهل سيدعم الأكراد لصد هجمات داعش المحمية من تركيا علنا هذه المرة أم سيتركون لوحدهم أم سيجري إبتزازهم للعودة إلى مظلة البرزاني كشرط للدعم ؟ وهل سيكون لواشنطن روزنامة ترك المواجهة التركية الروسية تستنزف الطرفين حتى تقطف لحسابها الورقة الكردية بعنوان البشمركة ؟
2015-01-17 | عدد القراءات 3166