حرب الاستنزاف في غزة: المقاومة تمسك بالأرض والاحتلال يفقد خيرة وحداته / تسارع البحث عن مخارج وإنزال نتنياهو عن الشجرة
حرب الاستنزاف في غزة: المقاومة تمسك بالأرض والاحتلال يفقد خيرة وحداته / تسارع البحث عن مخارج وإنزال نتنياهو عن الشجرة… سوليفان في تل أبيب / هنية: منفتحون لمناقشة وقف الحرب وترتيب البيت الفلسطيني ولا حلّ دون حماس /كتب المحرّر السياسيّ
الثنائية الحاكمة في الحرب الدائرة بين جيش الاحتلال والمقاومة في غزة، صارت ثابتة غير قابلة للتغيير، ركنها الأول فشل جيش الاحتلال في تحقيق أي إنجاز، سواء في العنوان الأول للحرب وهو إنهاء حركات المقاومة، وعلى رأسها حركة حماس، أو في العنوان الثاني وهو تحرير الأسرى لدى قوى المقاومة. أما الركن الثاني الذي أظهرته معارك الجولة الثانية من الحرب بعد نهاية الهدنة التي ثبتت إلزامية التفاوض على التبادل كطريق وحيد لتحرير الأسرى، فيقوم على ما أظهرته قوى المقاومة من اقتدار نقل المعادلة من التوازن الذي حكم الجولة الأولى، إلى انتقال زمام المبادرة والإمساك بالأرض على يد قوى المقاومة، وانتقال جيش الاحتلال إلى موقع ردّ الفعل، وتلقي الضربات، ووفق قراءة الخبراء العسكريّين فإن المقاومة تبدو وقد رسمت سلفاً خطة هجوم شامل عندما تصل قوات الاحتلال على تخوم مدينة خان يونس، حيث تنفجر كل الجبهات دفعة واحدة، بما فيها ما سبق وتوهّم جيش الاحتلال أنها تحت سيطرته في شمال غزة، مثل جباليا والشجاعيّة، اللتين فقد فيهما جيش الاحتلال عدداً كبيراً من ضباط النخبة ووحداتها، وبدأ النقاش في أوساط العسكريين حول جدوى مواصلة الحرب يتسرّب الى وسائل الإعلام الاسرائيلية، وينقل قناعة جنرالات كبار في الجيش يردّدها مسؤولون عسكريون وأمنيون سابقون بأن الاندفاعة الأولى للحرب انتهت، وأن حرب استنزاف مفتوحة بلا أفق هي ما يخوضه جيش الاحتلال الآن.
هذه المعادلات التي يقدّمها ميدان الحرب وجدت تفسيراً للمواقف المتغيّرة انطلاقاً من واشنطن والدول الغربية التي تهتم لأمن الكيان، وتخشى عليه من مواقف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي يربط مصير الكيان بمصيره كرئيس حكومة. وقد صار استمرار الحرب بوليصة التأمين الوحيدة لبقائه في منصبه، بينما صار رحيله وصفة ممكنة لتبرير وقف الحرب وتحميله مسؤولية الفشل من عملية طوفان الأقصى إلى مسار الحرب على غزة.
إنزال نتنياهو عن الشجرة، هو الوصف الذي قدّمه مسؤولون أميركيون لوسائل إعلام أميركية حول زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان الى تل أبيب اليوم، وما تمّ تناقله عن أنه يحمل معه طلباً للبحث بموعد لإنهاء الحرب، وإيضاحاً لمستقبل قطاع غزة في اليوم التالي لوقف الحرب.
الحراك الأميركي والغربي وامتداداته العربية، يدور حول صيغة تشكل السلطة الفلسطينية محورها، وتتجاهل دور حركة حماس وقوى المقاومة رغم فشل محاولات إسقاطها وحذفها من المشهد، وتتولى جماعة «عرب واشنطن» مهمة تسويق صيغة تقوم على إقناع حماس بقبول تسلّم السلطة لغزة كحل ينهي الحرب، منطلقين من ذريعة أن حماس لا تؤمن بالحل السياسيّ للقضيّة الفلسطينية، وأنها لم تنجح بالتفاهم مع حركة فتح على صيغة لتقاسم السلطة، وأن هذا الحل يفتح الباب لمباحثات لاحقة عن سبل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية داخل منظمة التحرير الفلسطينية والفصل بين المنظمة والسلطة التي عليها أن تتعاطى مع كيان الاحتلال وجيشه ومع الغرب وأميركا وأوروبا، وكلها ترفض صيغة تكون حماس جزءاً منها، وتصنف حماس إرهاباً.
جاء كلام رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية جواباً عملياً على كل هذه التطورات، مؤكدا أن القرار في الميدان للمقاومة، وأنها قوية ومقتدرة وواثقة من تأييد شعبها، وطالما أن وقف الحرب يجب أن يسبق تبادل الأسرى، فلا إطار لوقف الحرب ومستقبل غزة يستطيع تجاوز حركة حماس. وهي بخلاف الاعتقاد منفتحة على أي مبادرات لوقف الحرب وترتيب البيت الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة وليس في غزة فقط، من ضمن أفق سياسي يضمن حقوق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته وعاصمتها القدس، مبقياً حدود الدولة وعن أي جزء من القدس غامضاً، لتحتفظ حماس بحق القبول والرفض لما يُعرَض عليها.
وسجّلت الجبهة الجنوبيّة تصعيداً في وتيرة العمليات العسكريّة للمقاومة بالتوازي مع تكثيف الاحتلال الإسرائيلي اعتداءاته على القرى الحدودية ما أدّى الى سقوط شهيدين من المدنيين، ما يعكس وفق مصادر سياسية لـ«البناء» «الضغط الذي يتعرّض له جيش الإحتلال جراء عمليات المقاومة النوعية على مختلف المواقع على عمق 15 كلم وأكثر، وإرباكاً لدى حكومة العدو إزاء التعامل مع خطر جبهة الجنوب واحتواء تداعياتها العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية، في ظل الشلل الاقتصادي شمال فلسطين المحتلة، وهجرة أكثر من مئة ألف مستوطن من الشمال إلى الوسط ويحمّلون رئيس حكومة الاحتلال مسؤوليّة استعادة الأمن الى الشمال ويرفضون العودة في ظل الوضع القائم حالياً على الحدود مع لبنان، فضلاً عن الانقسام داخل حكومة الاحتلال في التعامل مع الأحداث الجديدة أكان في غزة أو في جنوب لبنان، ما قد يدفع حكومة الحرب في «إسرائيل» لأسباب عدة، للهروب إلى الأمام والقيام بعمل عسكريّ ضد لبنان لخلط الأوراق وإطالة أمد الحرب وتوريط الأميركيّين فيها أملاً بتحقيق الأهداف العسكريّة والأمنيّة للحرب تنقذ نتنياهو وحكومته من النهاية المحتومة»، إلا أن لهذه الخطوة «تداعيات كبيرة تتخطى الحدود اللبنانية – الفلسطينية، الى المنطقة برمّتها، الأمر الذي لن تسمح به الإدارة الأميركية الحالية التي تستشعر قسوة تداعيات حرب غزة على كافة المستويات لا سيما على مستقبل كيان الاحتلال وعلى المصالح الأميركية في المنطقة وعلى الاستقرار الإقليمي وعلى اتجاهات الرأي العام العربي والإسلامي والأميركي والعالمي، وهذه العوامل تؤثر سلباً على الوضع الانتخابي للرئيس جو بايدن وحزبه الديموقراطي».
وفي سياق ذلك، نقلت شبكة «CNN» الأميركية عن مسؤولين أميركيين، قولهم إنّ «واشنطن نصحت إسرائيل بعدم فتح جبهة أخرى في الحرب عبر شنّ هجوم واسع النطاق على حزب الله».