كيف ينظر محور المقاومة لجبهات المساندة؟
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- يعيش جزء كبير من الرأي العام العربي صدمة المجازر التي يرتكبها جيش
الإحتلال بحق النساء والأطفال في غزة بدعم أميركي كامل، ويتخذها معيارا
لقراءة أداء المقاومة، ويصل البعض بسبب ذلك، وتحت تأثير دعاية مبرمجة
لجماعة التطبيع فيطرح السؤال، هل تورطت حماس في طوفان الأقصى،
ويصل بعض آخر للقول هل ورطها محور المقاومة فتوهمت مساندة مختلفة
لو لم تحصل على وعد بها، لكن هذا المناخ السطحي رغم بعده العاطفي
والإنساني أحيانا كثيرة، يتجاهل حقيقة أن المسألة ليست في النتيجة التي
تمثلها المجازر بل في الأصل الذي يتمثل بمستقبل فلسطين، ولأن الفلسطينيين
وخصوصا في غزة هم الطرف المعني الأول، لا نجد عندهم هذه المقاربة،
وإن وجدت تبقى نسبة وحدود تأثيرها ضئيلة، لأن الفلسطينيين وخصوصا
أبناء غزة، يعرفون ان الركود والركون لما كان قائما و معروضا عليهم
كبديل للانتفاض ومحاولة كسر القيد والحصار، هو الموت البطيء بذل
ومهانة، وهو بالمناسبة المصير الوحيد الذي يعرضه كيان الاحتلال على
الفلسطينيين سواء في غزة او في الضفة الغربية أو في القدس، ولذلك نراهم
لا يأبهون للتضحيات التي تترتب على انتفاضتهم ومقاومتهم، ويرونها أقل
وطأة من موت مهين وذليل بطيء تحت الحصار وحروب يقررها الاحتلال
كل بضعة سنوات، وما تشهده الضفة الغربية هذه الأيام خير مثال.
- يدرك محور المقاومة وقواه حجم التضحيات التي تفرضها خياراته على بيئته
الحاضنة، وهكذا فإن المقاومة في لبنان تعرف انها لأجل فرض استقرار
تحميه قدرة الردع لقرابة العقدين عبر حدود لبنان، رتبت على بيئتها دفع
تكلفة باهظة في حرب تموز 2006، بقي شعر هذه البيئة خلالها هو ما يقوله
أهل غزة اليوم، فداء للمقاومة، وأنصار الله في اليمن يعرفون انهم حملوا
شعبهم تبعات خيار الثبات والصمود، وكانت التكلفة هائلة جوعا وحصار
وخرابا ودماء، لكن بفضل هذه التضحيات حجز أنصار الله لليمن في حرب
غزة مكانة استعصت على كل العرب الآخرين، وتحول اليمني كمواطن
أيقونة يعتز بها كل عربي ويحتفل بها، وهكذا كانت كلفة الحفاظ على سورية
مركزا وقلعة لقوى المقاومة والفوز في حرب المواجهة مع مشروع الإسقاط
والتقسيم، رغم الاحتلال والإرهاب، وما رصد لهذا المشروع من مقدرات
بمليارات الدولارات وما استجلب لفرضه من عشرات آلاف الارهابيين،
والثمن ماثل أمامنا في ظروف الحياة القاسية التي يعيشها السوريون، بحجم
التضحيات التي قدموها، ولولا هذه التضحيات لكان تنظيم داعش وشركاؤه
يتقاسمون سورية و يذيقون السوريين الموت الزؤام كل يوم، والأمر نفسه
بالنسبة لقوى المقاومة في العراق.
- القضية هي بالضبط كيف نلحق الهزيمة بالمشروع الأميركي الإسرائيلي،
وكيف تخرج المقاومة في غزة وعلى رأسها حركة حماس منتصرة، هكذا
يطرح محور المقاومة وقواه السؤال، ويجيب أن تحقيق هذا الهدف يتم بالنقاط
لا بالضربة القاضية، تمهيدا لفرضية تحول إحدى جولات المنازلة بالنقاط الى
جولة الضربة القاضية، وهو ما لا يمكن التحكم بحدوثه أو منع حدوثه، ولذلك
فإن أولى الأولويات هي وضع قوة المحور كعامل ردع يفرض تعطيل قوة
الردع الأميركية التي دخلت الحرب بقوة، ويبقى حاضرا في حسابات الحرب
الأميركية الإسرائيلية على غزة، وفق معادلة أن وقف قتل الأطفال والنساء لن
يتحقق بفتح جبهات محور المقاومة ولو استخدم فائض قوته النارية كلها، بل
سوف يشرك ساحاته بتبادل النار مع كيان الاحتلال والأميركيين، بينما ابقاء
فائض القوة عامل ردع فسوف يتيح التحكم بمسارات الحرب بصورة تتيح من
جهة بقاء الاستثمار على أولوية العنوان الفلسطيني ودوره الهام في استنهاض
الشوارع العربية والعالمية، ويسمح للمقاومة في فلسطين بخوض حرب
الاستنزاف حتى فرض وقف العدوان، او حتى تدحرج الحرب الى حرب
شاملة.
- هذا هو المنهج الذي استدعى أن يفتح كل طرف في محور المقاومة جبهة لها
بعد وطني من ضمن برنامجه الخاص بجبهته، كما هو حال الاحتلال
الأميركي في سورية والعراق بالنسبة للمقاومة العراقية والسورية، وحال
مزارع شبعا وسائر النقاط المحتلة وتثبيت معادلة الردع لمنع العدوان على
لبنان بالنسبة للمقاومة اللبنانية، وحال البحر الأحمر وأمن الملاحة فيه، و
موقع مضيق باب المندب والشراكة في أمنه، بالنسبة لأنصار الله في اليمن،
وهذه العناوين تمثل في الوقت نفسه منصات حرب استنزاف معنوية
وعسكرية للحلف الأميركي الإسرائيلي، قابلة للتطور وفق مقتضيات تطور
سياق الحرب نفسها، لكن يستحيل تطويرها ما لم تكن موجودة، ساخنة
وطازجة، ولا يمكن إعداد المناخ الداخلي والمحيط في كل ساحة لمثل هذه
الاحتمالات دون فتح الجبهات وتسخينها وتصعيدها تدريجيا.
- في المثال الذي تقدمه جبهة لبنان، سوف نكتشف ببساطة أن جيش الاحتلال
مجبر على إرسال وحدات النخبة وحشد نصفها على جبهة لبنان، وخوض
الحرب على غزة بنصفها الباقي، وتعويض النزيف الناتج عن الحرب في
غزة بالاحتياط، ما يفسر تراجع الكفاءة القتالية كلما مرت الأيام، وترتب على
مواجهات هذه الجبهة كما تقول أرقام مستشفيات شمال فلسطين المحتلة تحقيق
1800 إصابة في صفوف جيش الاحتلال، ما يعني تقديريا أكثر من مئة
قتيل، والأهم ما تسبب به فتح الجبهة وإدارتها من تهجير قرابة مئتي ألف
مستوطن من الشمال وشمال الوسط بما جعل هذه المنطقة كمثل حال منطقة
جوار غزة غير قابلة للسكن والحياة، ومصدر لأزمة سياسية أمنية ضاغطة
على قيادة الكيان، تضعه مع راعيه الأميركي بين خياري تسريع وقف
العدوان على غزة، لوقف الجبهة المساندة في جنوب لبنان، أو الذهاب الى
تصعيد هذه الجبهة ما يمنح للمقاومة مشروعية متصاعدة لتظهير فائض قوتها
النارية في الميدان بالنسبة والتناسب.
- في الحالة اليمنية وأمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب إصابة مباشرة
لمفهوم الأمن الاستراتيجي الأميركي على مساحة زمنية ممتدة لعقود تلتقي
عند ثلاثية أمن الملاحة وأمن الطاقة وأمن كيان الاحتلال، يرمز اليها البحر
الأحمر، حيث انصار الله يقومون كل يوم بتحدي هذا المفهوم الاستراتيجي
للأمن الأميركي، ويجد الأميركي خيارته ضيقة بين الضغط لوقف العدوان
على غزة، والذهاب الى حرب أوسع سوف تتكفل بتخريب الملاحة وتدفق
الطاقة وتجعل البحر الأحمر ساحة حرب، وبمثل ما كان استعصاء جبهة
لبنان جاء استعصاء جبهة البحر الأحمر، ليشكلا عاملين حاضرين في
الحسابات الأميركية الإسرائيلية لكيفية مواصلة الحرب، ومعنى معركة الوقت
فيها.
- تثبت المقاومة في غزة امساكها بالميدان، وقدرتها على المضي قدما بحرب
الاستنزاف المفتوحة مع جيش الاحتلال حتى يصبح وقف العدوان خيارا
حتميا، وينفد الوقت أمامه من كل محور المواجهة، لكن المقاومة في غزة
تستند الى ثقة يقينية لا يملك الإسرائيلي مثلها، قوامها أنه إذا اشتدت الأوضاع
وخالفت النتائج التوقيعات، وبدأت الكفة تميل لصالح الاحتلال، فإنها تدرك
أنها ليست وحدها، لأن محور المقاومة سوف يكون جاهزا لقلب الطاولة مهما
كانت الكلفة، والجبهات ساخنة والبيئة مهيأة، والأمر يتوقف على قرار.
2023-12-17 | عدد القراءات 202