بايدن ونتنياهو الحليفين اللدودين نقاط على الحروف ناصر قنديل

بايدن ونتنياهو الحليفين اللدودين

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- لا يمكن إقناع أحد بأن المشهد الذي رأيناه بعد طوفان الأقصى وفي لحظة الإنهيار الدرامي التي عاشها كيان الاحتلال وقادته وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، كان مشهدا تمثيليا مصطنعا، كما لا يمكن إقناعنا بأن ما رأيناه وسمعناه من مواقف، وكيف هرع الرئيس الأميركي وسائر قادة الغرب لإعلان الاصطفاف مع الكيان في خوض حرب ابادة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة استخدم فيها مصطلح الاجتثاث منعا لسوء الفهم والتأكيد بأن القصد هو الإبادة، وأن كل ما تلاه من حشد الأساطيل وإرسال الأسلحة والذخائر وتنسيق الخطوات العسكرية، واستخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي لحماية الجرائم من الملاحقة ومنع وقف إطلاق النار، كان مجرد جزء من مسرحية.

- جو بايدن صهيوني كما يتباهى دائما، ونظرية لو لم يكن هناك إسرائيل لوجب علينا ايجادها يرددها دائما وهو ينسبها لوالده، وقد ورثها عنه، لذلك في كل مرة يتماهى نتنياهو مع كيان الإحتلال ومصلحته الوجودية سوف نجد بايدن جنديا في جيش الكيان، وهذا ما فعله بايدن منذ 7 تشرين الأول بلا تردد واضعا سمعة أميركا ومكانتها الدولية، وعلاقة إدارتها بالشارع الأميركي، وحملته الإنتخابية، عند أعلى درجات المخاطرة، على قاعدة أن إنقاذ الكيان من الخطر مسؤولية لا تراجع عنها، من جهة ، وأنه لا يمكن تفادي تداعيات هزيمة "إسرائيل" على مكانة أميركا في أهم بقعة من العالم تتجمع فيها المصالح الاقتصادية والأمنية العليا لأميركا، من جهة مقابلة.

- بعد مئة يوم من الحرب صار ثابتا أن الهزيمة وقعت، وأن الخسائر كارثية، فجيش الاحتلال يتفكك وينهار وعاجز عن خوض المزيد من الحروب، ولا أمل يرتجى من مواصلة الخيار العسكري، والكيان خسر سياسيا الشارع الغربي وباتت حكومات الغرب مضطرة للابتعاد عن التماهي مع مواقفه في ضوء المجازر والجرائم المرتكبة بحق الأطفال والنساء في غزة، وتحول الكيان وكل داعميه الى مجرد قتلة بعيون مواطني الغرب الذين يخرجون بالملايين يملأون الشوارع والساحات، ومواصلة الانخراط الأميركي في مساندة الكيان عسكريا والتورط في حرب كبرى سوف يعني هزيمة استراتيجية لأميركا يجب فعل المستحيل لتفاديها، وحصر المواجهات العسكرية الأميركية في جبهتي اليمن والعراق عند حدود دنيا حتى تقف الحرب في غزة.

- لم تنجح كل محاولات الضغط لخفض سقف المقاومة في غزة لشروط وقف النار وتبادل الأسرى، ولم تفلح كل الجهود لتشكيل إطار عربي ودولي يتولى ادارة الملف الفلسطيني يكون مخلصا لمصالح "إسرائيل" وموضع ثقة فلسطينيا وقادر على إحداث تغيير وفرق لمرحلة انتقالية، تشكل مخرجا من المأزق، وهذا كان محور مساعي واشنطن للترويج لادارة عربية دولية مؤقتة لغزة.

- وصلت الأمور إلى حد استحالة الاستمرار في الحرب من جهة، وبالمقابل الخشية على الكيان من تداعيات الخضوع لشروط المقاومة، وصار إنقاذ الكيان وخروج اميركا من مأزق الحرب، مشروطا برحيل نتنياهو وتحميله مسؤولية الفشل في 7 تشرين أول، ولا حقا في الحرب، باعتبار الانقسام الذي تسبب به في التجمع الصهيوني بعد تشكيل حكومته مع اليمين المتطرف، أدى الى ضعف الجيش وتراجع الروح القتالية فيه، وعلى قاعدة أن القبول بوقف الحرب بشروط المقاومة هو ضرورة مؤقتة لالتقاط الأنفاس وإجراء التبادل، والذهاب لهدنة طويلة تتيح اعادة ترميم ما تسبب نتنياهو بخرابه وما تسببت الحرب به من خراب إضافي، بل إن الخيار صار محكوما بمعادلة أن أحد الإثنين يجب أن يخرج من المشهد كي يبقى الآخر، نتنياهو ام بادين؟

- إخراج نتنياهو من المشهد ليس سهلا، واليمين الحليف نتنياهو يدرك أن إخراجه هو تمهيد لإسقاط خطاب اليمين ومكانته لصالح تحالف يضم الليكود المعدل مع المعارضة تحت رعاية أميركية، والمؤسسة الحاكمة في واشنطن تدرك أن نصاب التغيير الداخلي في الكيان لم ينضج بعد، فالغالبية لا تزال مع الحرب، والتشققات السلطوية في غالبها تجري تحت التمسك بسقف الاستمرار بالحرب، والأقلية المؤيدة لوقف الحرب تكبر وتنمو لكنها لا تزال أقلية.

- تواصل واشنطن مساندة خيار الحرب الإسرائيلية وتشارك بحروبها الفرعية إلى جانب الكيان، ولو على وتيرة منخفضة لتفادي الانزلاق نحو حرب كبرى لا تريدها وتعرف نتائجها وعواقبها جيدا، لكنها تفتح عيونها على كيفية تنمية معارضة قادرة على تشكيل ائتلاف حاكم جديد في الكيان يجرؤ على وقف الحرب ويستند إلى أغلبية مستعدة لتحمل الهزيمة ثمنا لوقف الحرب.

- المشكلة ليست في المعارضة السياسية فهي ضعيفة اصلا ونموها رهن بانضمام قوى فعلية وازنة في الكيان مستعدة للمخاطرة بالذهاب لخيار وقف الحرب بكل أكلافه الصعبة لتفادي الأسوأ، وهنا يمثل الجيش الجهة الوحيدة المؤهلة للعب دور محوري في هذه المرحلة، فعائلات الأسرى ومظاهراتهم جزء من المشهد، والمعارضة التي يقودها يائير لبيد جزء من المشهد، والانشقاقات في الليكود والحكومة ومجلس الحرب، وبيني غانتس و غادي ايزنكوت، جزء من المشهد، لكن كل ذلك لا يكفي دون الجيش لإحداث التغيير المنشود بأقل الخسائر الاستراتيجية.

- يرتفع الصوت الأميركي بوجه نتنياهو على إيقاع القراءة الأميركية لدرجة الحرارة داخل الجيش لتقبل فكرة إيقاف الحرب بثمن مؤلم، والجيش تحت ضغط حرب شديدة الضراوة في غزة، ومخاطر تصاعد حرب شديدة الخطورة مع لبنان، والخسائر والمخاطر هي أدوات انضاج الموقف لإحداث نقلة صارت ضرورة لإنقاذ الكيان من الانهيار الدراماتيكي في قلب الحرب.

- قبلة بايدن لنتنياهو مع طلقة في الصدر على طريقة المافيا بعد فشل كبير، هي ما يتهيأ للحدوث، ليس بسبب الكراهية الموجودة بين الرجلين، لكن التي لا مكان لها في حالات الحرب، وما كانت هذه القبلة المسمومة لتحدث لو أن الحرب انتهت بانتصار، بل كان بايدن سوف يتوج نتنياهو رغم الكراهية كبطل وطني لأميركا قبل "إسرائيل".

 

2024-01-19 | عدد القراءات 59