…" وما تلك بيمينك يا موسى " … قال هي عصاي أتوكّأ عليها وأهشّ بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى … أما التوكّؤ والهشّ فهما من فوائد تلك العصا ، تم التصريح المباشر بهما ، وتركت المآرب الأخرى للتأويل … شخصيًا أعتقد ان واحدًا من تلك المآرب كان الاستعانة بهذه العصى في قبضة موسى مأرباً نفسيًا يعطيه ثقة أكثر ، ويشعره بالقوة ، ويضفي على ذاته سكينةً وطمأنينةً وثقةً … كان ذلك موسى ذو البأس الشديد و كليم الله … أما شعب موسى بعد ذلك فلقد شطح ونطح في مناطق الضلال والخروج والتيه حتى صار يحمل في طيات ذاته وفي صميم بنائه العقلي رغبةً طاغيةً في الاستحواذ على مرابط القوة ، وعقد السيطرة ، والإفساد وتلويث المفاهيم ، وقلب الهدف الحقيقي من الدين ، ثم طفق يستخدم العبقرية الشيطانية في الإبداع في تكنولوجيا القتل والإبادة الجماعية من منطلقات عنصرية إلغائية إقصائية … النقيض الكلّي والمطلق لما أراده الله من إرسال الرسالات وبعث الأنبياء … تحوّل الدين إلى هلوسات وخزعبلات ما أنزل الله بها من سلطان … يريدون أن يتوقف الدين عند موسى والتوراة … ولذلك فهم لا يعترفون لا ب عيسى ولا بالإنجيل ، ولا ب محمد ولا بالقرآن … بل ذهبوا الى أبعد من ذلك … إلى قتل الأنبياء حتى يتوقّف التدفّق الربّاني عندهم ولا يتزحزح أبداً … لا يريدون ان يعترفوا بأن التدرّج الربّاني في رسالاته إلى بني آدم ، هو بسبب القصور الإنساني ، وأن الرسالات هي بمثابة جرعات من المعرفة والتسامي الأخلاقي والارتقاء بالذات الإنسانية الى مراتب عليا ، وأن معرفة الخالق بمخلوقه أكثر من معرفة المخلوق لذاته ، وأن ذلك تطلب التدرّج ارتقاءً بهذا الإنسان أخلاقيّاً وقيميّاً بالدرجة الاولى … معضلة الانسان في علاقته مع ربّه هي تلك النزعة الفيزيقية ، والتي ما تلبث ان تحاول ليّ عنق الرسالات الربّانيّة كيما تصبح مطيّةً في خدمة تلك الذات الفيزيقية ، وليس الذات الميتافيزيقية ، في خدمة تكدّس وتراكم المادة على حساب الانبعاث والتسامي بعيدًا عن المراكمة والاكتناز … ولست بمعتقدٍ أن حالنا كمسلمين ، هو أفضل بكثير من حال بني إسرائيل … يقال ان ثلث القرآن الكريم هو إدانة لبني إسرائيل ، وشخصياً أعتقد بأنه لو قيّض للإنسانية أن تحظى بنبيّ آخر الآن لكان كل كتابه إدانةً لبني إسماعيل … هل رأيتم أمة يذبح فيها إخوانهم في العرق وفي الدين وفي العقيدة وفي الدم وفي القربى ، فينبطحون متّكئين على الأرائك يتثاءبون ويكرعون الشاي والزنجبيل وأشياء اخرى… ثم يحوقلون ويحتسبون ويبسملون ويلعنون الباغي ثم يستغرقون في نوم عميق ، ويستيقظون في الصباح والمذبحة ما زالت مستمرة … وهكذا دواليك … لقد نصّب علينا ولاة أمر واجبي الطاعة … لا يردّ لهم أمر … ولا يرفض لهم طلب … أو هكذا أفتى إلينا شيوخ تشرى ذممهم وتباع بحفنة من الدولارات … فآثرنا السلامة ، ومضينا في طريق الضلال لا نلوي على شيء … وصفة تحمل في طياتها موات وانتحار جماعي … فالطاعة المطلقة لولي أمر لا نعرف أصله من فصله ، وضع علينا في غفلة من الزمان والمكان … مسيرة ان استمرّت ، والعياذ بالله ، فإنها ستحمل في طيّاتها مقتل أمة ونهاية تاريخ .
سميح التايه
2024-02-04 | عدد القراءات 110