رفح: دوافع التهديد الإسرائيلي بالاقتحام وعوائق التنفيذ

العميد د. أمين محمد حطيط*

 

يُصرّ نتنياهو على اقتحام رفح جنوبي قطاع غزة او على الأقلّ يريد ان يوحي بأنه اتخذ قراراً لا رجعة فيه حول الموضوع وأنّ جيشه بصدد وضع الخطط التنفيذية لإتمام هذا الأمر الذي – كما يردّد – هو أمر لا رجعة عنه نظراً لأهميته وخطورته؛ لا بل إن نتنياهو بات يقرن نتائج الحرب كلها نصراً او هزيمة بمآل الوضع النهائي لرفح بعد تنفيذ هذه العملية فيها. فما هي خصوصية رفح وأهميتها؟ ولماذا هذا الإصرار من نتنياهو على اقتحامها وهل سينفذ ما يلوّح به ويقول إنه قراره النهائي؟ وما هي العوائق والتداعيات للفعل العدواني الإسرائيلي هذا؟

بداية نذكّر بأنّ رفح هي مدينة فلسطينية حدودية تقع في وسط ما يسمّى محور فيلادلفيا الذي يشكل خط الحدود بين قطاع غزة ومصر بطول 14 كلم وهو خط الحدّ الجنوبي للقطاع ويكتسب هذا الحدّ أهميته الحالية من حيث كونه الضلع الحدودي الوحيد لقطاع غزة الذي لا تشرف أو تسيطر عليه «إسرائيل»، حيث إنها تتحكم بالأضلاع الثلاثة الأخرى للقطاع غرباً من البحر وشمالاً وشرقاً بقوتها البرية.

وفي واقعه الحالي بعد الحرب باتت منطقة رفح – المدينة ومحيطها – وبمساحة لا تزيد عن 30 كلم2 تؤوي مليوناً و400 ألف فلسطيني نزح معظمهم من شمال القطاع ووسطه خلال العدوان الإسرائيلي المنفذ بما تسمّيه «إسرائيل» المناورة البرية في القطاع، وقد دفعت بهم إلى الجنوب تمهيداً لإخراجهم الى سيناء تنفيذاً لأحد أهداف عدوانها وهو إفراغ القطاع من معظم أهله وإحداث تغيير ديمغرافي جذري فيه.

أما من الوجهة العسكرية فإنّ نتنياهو يدّعي بأنّ رفح باتت الملجأ الأخير لحركة حماس وقيادتها في غزة وان فيها الكتائب الأربع المتبقية من أصل 22 كتيبة ينتظم فيها مقاتلو حماس وتدّعي «إسرائيل» – وهو ادّعاء لا أساس واقعياً له ولا قرينة أو دليل إثبات على صحته. لا بل انّ الكذب فيه هو الظاهر المرجح – ومع ذلك تدّعي «إسرائيل» أنها فككت 18 كتيبة وبقي لحماس فقط 4 كتائب تنتشر في رفح، وبالتالي انّ إتمام العملية يقتضي باقتحام رفح لإتمام عملية تفكيك حماس، كما تروّج «إسرائيل».

ومن جهة أخرى، يزعم نتنياهو وفريقه في السلطة ان الأسرى الإسرائيليين الذين تسمّيهم «إسرائيل» رهائن بيد حماس، يزعمون أنهم نقلوا الى منطقة رفح وانّ عملية عسكرية ناجحة من شأنها أن تؤدّي للإفراج عنهم، زعم عززه في اليومين السابقين ما يقول به الإعلام الإسرائيلي من نجاح للجيش في الوصول الى رهينتين وتحريرهم أحياء الأمر الذي يشجع «إسرائيل» على تنفيذ هذه العملية من أجل تحرير الباقين والبالغ عددهم 134 أسيراً.

إضافة الى ما تقدّم فإنّ هناك مكاسب يراها نتنياهو من معركة رفح في طليعتها أنها تمدّد للحرب ما يعني التمديد لنفسه في السلطة والحكم، خاصة أنه لا يرى لنفسه إلا موقعاً من اثنين اما قيادة الميدان لمتابعة الحرب او وراء القضبان وملاحقته قضائياً وإنهاء حياته السياسية. وبين الموقعين يختار الأول، ولذلك يستميت في دفع الجيش الى رفح، معلناً انها حرب معقدة تستلزم عاماً كاملاً، وهو العام المتبقي لبايدن في ولايته الحالية،

اما على مقلب الأسرى والرهائن فإنّ معركة رفح التي يريدها نتنياهو وفريقه من ذوي الرؤوس الحامية من شأنها أن تطيح بالتسوية التي يعمل عليها من قبل أميركا ومصر وقطر لتبادل الرهائن والعمل بهدنة طويلة تنقلب عملياً لوقف إطلاق نار واقعي. ويرى نتنياهو انّ هجومه على رفح سيطيح بالتسوية كما هدّدت حماس، وسيعفي «إسرائيل» من الثمن الباهظ الذي ستدفعه إن من حيث عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيطلقون او من حيث تحوّل الهدنة الى وقف إطلاق النار مستدام؛ وهو وضع لا يريح نتنياهو.

لكلّ هذه الأسباب والدوافع تريد «إسرائيل» بقيادة نتنياهو متابعة عدوانها على قطاع غزة وتخطط لاجتياح رفح، لكنها تتهيّب المهمة وتعمل على تذليل الصعوبات والعوائق التي تعترضها لتوفير أقصى ظروف النجاح لها مع القدر الأقلّ أو الحدّ الأدنى من الخسائر والتداعيات، وهذا ما يسجّل من خلال سعيها المتعدد الاتجاهات كالتالي:

1 ـ على الصعيد الأميركي، لم يكن نتنياهو مرتاحاً للرفض الأميركي للعملية، الرفض الذي ربطته أميركا بالخوف على مصير مليون و400 ألف فلسطيني يقيمون نازحين في منطقة العمليات، يقيمون دون مأوى او ملجأ يقيهم نار الحرب، وكذلك خوف يربط بحساسية التنفيذ في شهر رمضان المقبل بعد 4 أسابيع، لكن «إسرائيل» تعتقد أنها ذللت هذا العائق بعد ان اكد نتنياهو لبايدن أهمية العملية لأمن «إسرائيل» ودورها في تحديد مصير الحرب كلها نصرا ًاو هزيمة مع التزامه أمام بايدن باتخاذ كل التدابير التي تضمن تخفيف المسّ بالمدنيين وهو طبعاً التزام لا يعوّل عليه، لأنه غير قابل للتنفيذ في الواقع القائم، ومع ذلك نقول إنّ نتنياهو حصل على ضوء أخضر أميركي مع تعهّد مزيّف غير قابل للتطبيق.

2 ـ على الصعيد المصري، يشكل الهجوم على رفح مساً مؤكداً بالأمن القومي المصري وبالسيادة المصرية وهو ما حذرت منه مصر وهدّدت بتعليق اتفاقية كامب دافيد إذا أقدمت «إسرائيل» عليه. والسؤال الذي يطرح هنا هل نتنياهو سيهتمّ بالتهديد المصري ويأخذه على محمل الجدّ ويؤجّل التنفيذ حتى يعالج الموضوع مع القيادة المصرية أم أنه سيضع هذه القيادة أمام الأمر الواقع وينفذ قراره بالاجتياح ثم يسترضيها؟ وهل نتنياهو في المفاضلة سيرجح المكاسب التي تتحقق له شخصياً وإسرائيلياً من جراء الحرب على رفح على العلاقة مع مصر؟ حتى اللحظة نرى أنّ الموقف المصري فاعل في منع العملية وعائق مؤثر على القرار الإسرائيلي بصددها، فهل سترضخ «إسرائيل» نهائياً أم ستتجاهل هذا الاعتراض؟

3 ـ على الصعيد الإقليمي والدولي، صحيح ان نتنياهو لا يعبأ بمواقف الدول والمنظمات الدولية وغيرها، إلا انّ لهذه الدول دوراً او تأثيراً في هذه المسألة بالذات خاصة بعد ان حذرت المقاومة الفلسطينية من عظيم مخاطرها على حياة مليون ونصف المليون فلسطيني وحركت دعوى الإبادة الجماعية ضدّ «إسرائيل» أمام محكمة لاهاي، وهنا نسأل أيّ موقف ستتخذ دول الخليج العربي والدول الأوروبية خاصة فضلاً عن موقف الأمم المتحدة؟

4 ـ على الصعيد العسكري الإسرائيلي، يبدو انّ هذا العائق هو الذي يمنع حتى اللحظة عملياً من بدء العدوان ودخول رفح خاصة انّ الجيش الإسرائيلي يتهيّب الموقف لسببين الأول متصل بشدة ضراوة المواجهة ان حصلت لأنّ المقاومة ستلقي بأكثر مما لديها من قدرات في الميدان، والثاني متصل بكثافة الوجود المدني في منطقة العمليات، ولذلك طلبت فترة زمنية قيل إنها تصل الى أربعة أسابيع وقد تمدّد الى ستة أسابيع من أجل إجلاء أكبر عدد ممكن من السكان خارج منطقة العمليات ما يعني أنّ بدء العملية المهدّد بها لن يكون قريباً، ولن يكون قبل شهر رمضان المقبل.

5 ـ يبقى موقف المقاومة ومحورها، الموقف الذي استدعى فتح جبهات المساندة الثلاث، التي تهدف الى منع تفكيك المقاومة في قطاع غزة ومنع التغيير الديمغرافي فيه، وهي أهداف يتمسك بها المحور دون تراجع، ما يجعل هجوم «إسرائيل» على رفح صاعقاً لتفجير الوضع في المنطقة. فهل سيغامر المعنيون بهذا الشأن؟

إنّ وضع رفح بات عقدة يشكل التعامل معها واحداً من أمرين: أما تهدئة الرؤوس الحامية في “إسرائيل” والامتناع عن الهجوم وقبول التسوية التي يعمل عليها الثلاثي الأميركي القطري المصري بمشاركة أجهزة الأمن الإسرائيلي، أو الدخول في المجهول عبر عدوان يراكم جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها “إسرائيل” ويحدث انهيارات دراماتيكية في العلاقات الدولية والتطورات الميدانية، ويبقى الأمر متوقفاً على قرار إسرائيلي وردّ فعل المعنيين المذكورين أعلاه…

 

*أستاذ جامعي ـ خبير استراتيجي

2024-02-13 | عدد القراءات 98