نقاط ع الحروف 26/2/2024

 ماذا يعني الاحتجاج على وحدة الساحات؟

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- ثلاثة اعتبارات لا يملك أحد تجاهلها في مخاطبة الذين يجعلون لخطابهم عنوانا في هذه المرحلة هو الاحتجاج على معادلة وحدة الساحات، هذا مع حق التساؤل حول سر تزامن توقيت موجة التصريحات بهذا الاتجاه، مع حملة مبرمجة تتحدث عن حرب كبرى قادمة وتبني عليها مخاطر ومخاوف، تنسجم مع التهويل بخطر حرب اسرائيلية، يطلقه الموفدون الغربيون ويروج له قادة الكيان، خصوصا أن الحديث عن الحرب يأتي لتعويض العجز عن خوضها، أملا بمحاكاة واقع سياسي لبناني داخلي يمكن إستنهاضه في لبنان بوجه المقاومة بهدف إرباك ساحتها وإشغالها، لأن القاصي والداني يعلمان أن ما يستطيعه الاسرائيلي هو رفع منسوب الاستهداف ومداه على أطراف تجمعات سكنية دون ارتكاب ما يرتب ردا يصيب البنية السكانية في الكيان بأذى كبير، والهدف هو خلق توازن تهجير على طرفي الحدود، لتمهيد الأجواء التفاوضية بعد نهاية حرب غزة، طلبا لاتفاق يضمن العودة، وتكون العودة على الضفتين مصدر ضغط متوازن، طالما أن ما يزيل الضغط التهجيري في شمال فلسطين، هو حرب برية لا يملك الاسرائيلي جيشا قادرا على خوضها، أو قصفا تدميريا للعمق اللبناني لا يملك الإسرائيلي قدرة على تحمل ما يستجلبه من رد مماثل على عمق الكيان.

- الاعتبار الأول في التفكير والنقاش، إذا وضعنا جانبا المقدمة، هو أن بعض الذين يسجلون اعتراضهم على وحدة الساحات، إنما يطلبون صرف منجزات المقاومة في جبهة الحدود، بما استدرج العروض السياسية والإقليمية التي يحملها الموفدون، فيتحدثون عن فرصة لاسترداد الأراضي اللبنانية المحتلة، وبعضهم يقول بفرصة لفتح ملف عودة النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، لا يقولون شيئا إلا أنهم يعترفون ضمنا بصحة معادلة وحدة الساحات، لأن منجزات المقاومة جاءت تحت هذا العنوان، أي فتح جهة الحدود اللبنانية لنصرة غزة، لكنهم يطلبون من المقاومة أن تخون ذاتها، فتنسحب من وحدة الساحات لمجرد أنها تلقت عروضا مربحة، وإذا سارت المقاومة بهذه النظرية اللاأخلاقية فلماذا يطلبون منها ألا تقبل العروض التي تتصل بتعزيز مكانتها في المعادلة اللبنانية الداخلية سياسيا وطائفيا، وهو ما ترفضه المقاومة للاعتبارات الأخلاقية، وما دامت الدعوة هي لترك الأخلاق جانبا بداعي المصلحة، فلماذا يتم تجاهل منطق مكيافيلي المصلحي، حيث الغاية تبرر الوسيلة، حيث عروض المصلحة تطال مساحة أوسع من الحديث عن مصلحة لبنانية، سواء بالنسبة للموفدين أو من وجهة النظرة العامة لعقل المصلحة الميكافيلي.

- إذا وضعنا جانبا الدعوة للاستثمار الانتهازي لعائدات وحدة الساحات عبر التخلي عنها لقطف منجزاتها الخاصة، بداعي المصلحة، ، وذهبنا للمخلصين مبدئيا لرفض وحدة الساحات من أصلها، و الذين يتماهون مع الطلبات الأميركية بتجميد الجبهة اللبنانية، لجهة ترجمة التهديدات الأميركية منذ بداية حرب غزة بعدم التساهل مع أي محاولة لفتح جبهات أخرى، أو يتماهون مع التهديدات الإسرائيلية بشن حرب كبرى على لبنان كعقاب على فتح جبهته لمساندة غزة، فإن الاعتبار الثاني هنا هو التساؤل البديهي عن معنى التهديد الأميركي ما لم يكن ترجمة لوحدة ساحات من نوع ثان، جوهره الالتزام الأميركي بمساندة إسرائيل، ومثله عما إذا كان التهديد الاسرائيلي تعبيرا عن وحدة ساحات من نوع ثالث جوهره ان اسرائيل المنشغلة بحرب غزة، غير قادرة على خوض حرب على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية، ولذلك فهي تريد تأجيل جبهة لبنان لحين الإنتهاء من جبهة غزة، فيقرر الاسرائيلي التوقيت المناسب لترجمة مفهومه عن وحدة الساحات بالتجزئة الشكلية والجمع الجوهري، و هكذا تصير القضية عند هؤلاء المعترضين في كل الحالات التزام بوحدة ساحات، ولكن اختيار وحدة الساحات بمفهوم أميركي أم إسرائيلي، او بالمفهوم اللبناني الذي تمثله المقاومة، باعتبار أن ليس هناك مشروع لا يتضمن شكلا من أشكال وحدة الساحات.

- الاعتبار الثالث الذي يفرض حضوره في النقاش هو تحديد المفهوم اللبناني الذي تترجمه المقاومة لوحدة الساحات، طالما أن لا مفر من صيغة ما لوحدة الساحات، وطالما أن المفهوم الأميركي والمفهوم الاسرائيلي يتقاطعان عند نقطتي الجمع بين الأهداف بضرب المقاومة في فلسطين ولبنان والمنطقة من جهة، وتوزيع الاستهداف على مراحل تجعل المهمة أقل كلفة وأكثر سهولة، والمفهوم اللبناني الذي تترجمه المقاومة يقوم على فتح الجبهة وتصعيد حضورها بصورة تحقق ثلاثة أهداف، الأول عرقلة مسار الحرب على غزة وصولا لشل القدرة على التفرغ لها، والذهاب الى ارباك كل ما له صلة بالجبهة الداخلية خصوصا في ملف التهجير، وانهاك الجيش، وضرب نقاطه المتقدمة التي تشكل قواعد ارتكاز أي حرب قادمة، والثاني رفع منسوب الردع لجهة تحميل الجبهة رسائل نارية واستخبارية وعروض نار وقوة تدخل في حسابات كيان الاحتلال حجم المصاعب والمخاطر التي سوف يتسبب بها التفكير بالحرب على لبنان، والثالث هو السعي لإدارة هادئة للجبهة تضبط إيقاعها تحت سقف عدم الانزلاق الى الحرب الكبرى انطلاقا من فهم المصلحة الوطنية اللبنانية بالسعي لتفادي هذا الخطر، وتفتح الباب بعد نهاية الحرب على غزة لتفاوض يعيد تثبيت الهدوء يكون ثمن التزامات المقاومة عبره تحصيلا لحقوق لبنانية وطنية.

- واقعيا نجحت المقاومة في تحقيق الأهداف التي رسمتها للمشروع اللبناني لوحدة الساحات، وعطلت مفاعيل المفهومين الأميركي والإسرائيلي لوحدة الساحات، وقد بلغت مرحلة متقدمة من النجاح الى الحد الذي بدأ الموفدون يحملون العروض لمقايضة استمرارها بتفعيل الجبهة بمكاسب سياسية بعضها لبناني يتصل بالحقوق وبعضها اغراءات لدور سياسي داخلي رئاسي وطائفي على حساب سائر الأطراف والمكونات اللبنانية، والمقاومة برفضها كل هذه العروض من منطلقات وطنية واخلاقية وتمسكها بربط وقف اشتعال الجبهة بوقف الحرب في غزة، قد نجحت بفرض هذه النتيجة على كل تفاوض، وهذا النجاح هو السبب في تحرك السفراء والمخابرات الغربية على شخصيات وقوى ومؤسسات اعلامية لتنظيم حملة تستفيق على ضرورة اعادة النظر بوحدة الساحات، لكنهم تأخروا كثيرا حتى أثار توقيتهم الشبهات، لأن معادلة وحدة الساحات صارت حاملا في الشهر الخامس، بحيث لا فرصة للولادة ولا للإجهاض.

 

 

2024-02-26 | عدد القراءات 157