أميركا بين خسارتين استراتيجيتين
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- قد يكون بمستطاع أميركا أن تؤجل ظهور مشهد واضح لفشلها في أكبر وأخطر حربين متزامنتين في العالم، حرب أوكرانيا وحرب غزة، واحدة ترسم مستقبل آسيا والثانية ترسم مستقبل أوروبا، والفشل هنا يعني ببساطة أن تنتهي كل من هاتين الحربين بصيغة لا تكون لها ولا حليفها المنخرط في الحرب اليد العليا، وكل المؤشرات المحيطة بحربي أوكرانيا وغزة، تقول ان لا فرص في الأفق لتحقيق انتصار لصالح الحليفين المباشرين لأميركا، أوكرانيا و"إسرائيل".
- أوكرانيا التي حظيت بأضخم دعم مالي وتسليحي واستخباراتي غربي يقدم لدولة واحدة، منذ الحرب العالمية الثانية، دخلت في عد تنازلي لقدرتها على الصمود مع انتقال الجيش الروسي الى الهجوم، ونجاحه في بدء استرداد مناطق أوكرانية حساسة من الجيش الأوكراني، بعد سنة من محاولات فاشلة لبدء هجوم أوكراني معاكس يهدف للسيطرة على مناطق شرق وجنوب أوكرانيا التي دخلتها القوات الروسية خلال العام الأول للحرب، لتدخل الحرب سنتها الثالثة كما دخلت سنتها الأولى والحرب روسية، والكلام الصادر عن المسؤولين الأوكرانيين لا ينكر هذه التحولات، لكنه يتحدث عن فرص لتصحيح الموقف إذا توافرت لأوكرانيا مساهمات غربية تعادل أضعاف ما تم تقديمه حتى الآن، بينما الدول الغربية تشكك بجدوى ذلك وبدأت ترتفع فيها الدعوات لتصفير الخسائر والتأقلم مع الهزيمة الأوكرانية، والبحث عن الثمن التفاوضي الأوكراني والأوروبي الذي تريده روسيا لوقف الحرب، ولعل ردود الأفعال الأوروبية المستنكرة لكلام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الداعي لإرسال قوات أوروبية لمنع هزيمة أوكرانيا، تعبير عن الإقرار باستحالة منع وقوع الهزيمة الأوكرانية.
- "إسرائيل" التي زحف زعماء الغرب إليها غداة طوفان الأقصى يزايد بعضهم على بعض في حجم الدعم المقدم لإسرائيل لبدء هجوم معاكس اعتقدوا جميعا ان من يحجز لبلده موقعا فيه يحجز نصيبا لبلده من شرق أوسط جديد سوف ترسم "إسرائيل" معالمه عسكريا بنصرها المؤكد، لكن كل شيء جرى منذ خمسة شهور يقول أن هذا النصر الإسرائيلي صار وهما وسرابا، وان سقف ما تنشده الآن "إسرائيل" هو هزيمة غير فاقعة قابلة للتمويه، وهذا مضمون ما تفعله عبر المفاوضات، التي تعترف من خلالها بأن طريق استعادة الأسرى هو التفاوض والتبادل وليس الخيار العسكري، كما توهمت وقالت، وتعترف ويعترف معها الغرب وعلى رأسه أميركا بأن القضاء على قوى المقاومة استحالة، وأن سقف ما يرتجى هو صيغة مموهة لمشاركة المقاومة في حكم غزة والضفة معها، يمكن للمقاومة قبوله لتسهيل تمويل إعادة الإعمار، وتسهيل توحيد الضفة وغزة بعد انقسام دام لعقد ونصف ونيف، وبالرغم من بقاء أميركا وحدها ترفض وقف إطلاق النار، فان قدرة أميركا على اداء هذا الدور تتراجع وتتضاءل، مع المتغيرات الداخلية الإسرائيلية من جهة، وتزايد ضغط الشوارع الغربية وفي مقدمتها الشارع الأميركي لصالح وقف الحرب.
- أميركا في الحربين تلعب دور القائد السياسي والميداني، وحامل العبء الرئيسي ماليا وتسليحيا، وينكشف أمامها اختبار مثالي لسقف ما تستطيع فعله عبر أفضل حلفائها، وفي ذروة التعبئة الداخلية لتوفير إمدادهم بأقصى ما لديها، وهذا مثال لن يتكرر مع أي جهة ثالثة غير أوكرانيا وإسرائيل، وقد تم تحويل حربيهما كحروب للدفاع عن أمريكا وأمنها القومي، وجندت للفوز بهما كلف المقدرات المالية والعسكرية والدبلوماسية لواشنطن، والنهاية بالفشل فيهما تعني أن أمل بتحقيق النجاح في أي حرب أخرى، وأن على أميركا التسليم بموازين قوى جديدة تظهر إلى حيز الوجود، وتحمل معها قوى صاعدة لا يمكن وقف صعودها، وأن خسارة النفوذ الأحادي في الشرق الأوسط يعني ضربة كبيرة للنفوذ الأميركي في آسيا، وتراجع النفوذ الأميركي في أوكرانيا يعني تراجع هذا النفوذ في أوروبا القرن الواحد والعشرين، وأن الحلف الروسي الصيني الإيراني سوف يملأ الفراغ الناجم عن هذا التراجع الأميركي، والأمر لا علاقة له بجمهوري وديمقراطي بل بأميركا، والأمر لاعلاقة له بالتنافس الروسي الأميركي أو الصيني الأميركي كما يروج الأميركيون، بل بشيخوخة أميركا وتراجع مكانتها كدولة قوية قادرة على خوض الحروب الحقيقية على غير شاشات السينما و استديوهات هوليود، وهذا ما يقوله البحر الأحمر بصورة لا تقبل التأويل، حيث ينجح أنصار الله بعد شهرين من حرب مباشرة أميركية بريطانية مع اليمن يفرض اليمنيون مشيئتهم في البحار رغم أنف اميركا وقة الردع الأميركية، لأن الحرب يربحها الذي تقاتل الأرض معه، والذي يمنحها دمه بلا تردد.
2024-02-28 | عدد القراءات 159