نقاط ع الحروف 2/3/2024

ثلاثة عوامل وراء المشاركة المرتفعة في الانتخابات الايرانية

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- كان من المسلم به في أوساط المحللين والمتابعين، بمن فيهم مؤيدي الجمهورية الاسلامية في ايران، ان الاتجاه العام المتوقع لدى المقترعين هو المزيد من تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات التي جرت اليوم لاختيار 290 عضوا في مجلس الشورى من 15 عشر ألف مرشح اضافة الى 88 عضوا في مجلس الخبراء، وكانت نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة 2020 لمجلس الشورى قد سجلت 42% مقابل 62% لعام 2016 و64% لانتخابات 2012، وتوقعات ما بين 30 و35% لهذه الانتخابات.

- مؤيدو النظام السياسي للجمهورية الإسلامية والمنتمين إلى نخبته الحاكمة التي تمثل التيار المحافظ، يعيدون العزوف الانتخابي الى شعور عام بعدم حدوث مفاجآت، مع تراجع التيار الإصلاحي التقليدي، وهذه الحالة اللاتنافسية تكفي للعزوف دون أن تعني المعارضة كما هو الحال في انتخابات العديد من دول الغرب، بينما يقول معارضو النظام أو معارضو النخبة الحاكمة من رموز التيار الإصلاحي، أن العزوف هو احتجاج على أحادية اللون السياسي للدولة، والشعور بلا جدوى الصوت الانتخابي وقدرته على إحداث فرق، ويستعرضون الكثير من الأزمات التي يقولون إنها تضغط على الإيرانيين، خصوصا على مستوى الخيارات الاقتصادية، لكنهم لا يجدون لها حلا بالمشاركة الانتخابية، دون أن يقدموا تفسيرا عن سبب التراجع في المشاركة في المناطق التي ينتمي سكانها للطبقة الوسطى والطبقات الميسورة في طهران وكبريات المدن الايرانية، مقابل مشاركة واسعة نسبيا في الأحياء الفقيرة للمدن والمناطق الريفية، فيما يبدو نوعا من تقاسم أدوار، بين تسليم من الطبقة الوسطى بالخروج من المعادلة السياسية مقابل الحصول على تسهيلات كافية في المسرح الاقتصادي، مقابل جذب السياسة للطبقات الشعبية سواء على مستوى الخيارات السياسية او الخطط الاقتصادية.

- يتخذ بعض المعارضين لنظام الجمهورية الإسلامية من الإيرانيين وغير الإيرانيين، من قضية مهسا أميني نقطة بداية لمسار يصفونه بـ التنازلي في شعبية النظام، ويبنون توقعات العزوف على هذا الاستنتاج حول معارضة شعبية كاسحة للنظام، والذين يتحدثون بلغة معارضة عالية السقف داخل طهران لا يفسرون معنى مرونة النظام وتحمله سقفا مرتفعا في الحرية المتاحة للمعارضة، حيث وسائل إعلام جديدة غير حكومية وغير خاضعة للرقابة تتيحها التقنيات الحديثة التي ينخرط فيها الشعب الإيراني بقوة، سواء على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي أو سواها، حيث تقييد الوصول الى الأنترنت ليس إلا واجهة شكلية يختفي وراءها سوق شراء وبيع البرامج والتقنيات التي تتيح كسر القيود تحت عين النظام وأجهزته وتراخيص منه كثيرا من الأحيان.

- مع منتصف ليل أمس بتوقيت طهران، العاشرة والنصف ليلا بتوقيت بيروت، موعد إقفال صناديق الاقتراع بعد تمديد مهلة المشاركة لثلاث مرات، سجلت المشاركة في الانتخابات إقبالا كبيرا قياسا بالدورة السابقة باعتراف المؤيدين والمعارضين، مع توقعات بملامسة نسبة ال50% من المشاركة، فربحت الرهان مع كثيرين بسبب توقع زيادة نسبة المشاركة مقابل المراهنين على تراجعها، والأسباب التي دعتني إلى توقع زيادة المشاركة هي، أولا ما كان يرد عن ارتفاع ملفت في نسبة المرشحات، بحيث ان الرقم زاد عن مجموع من ترشحن من السناء خلال كل الدورات السابقة، وفي ذلك اشارة الى ان ما يبني عليه المعارضون ما يسمونه بزمن مهسا أميني، قد انتهى، وأن الغضب النسوي قد حلت مكانه قناعة بجدوى المعارضة الناعمة و السلمية و المطلبية، ورفض الانجرار الى خيار المعارضة السياسية للنظام، فقد أظهرت التجربة أن توسيع مجال الحرية الاجتماعية للنساء الإيرانيات ورفع سقف ممكن في ظل النظام الإسلامي، وأن المكاسب المحققة في ملف الحجاب ليست كلامية بل هي تغيير جوهري يلمسه كل زائر لإيران، ولذلك أخذت كثير من المرشحات على عاتقهن كبرنامج انتخابي لترشيحهن مراجعة القوانين الخاصة بالمرأة، وهذا الجانب حرك نصف المجتمع الإيراني وأكثر، أي ما تمثله النساء من المجتمع، وهو نصف شديد الحيوية بالمناسبة، لمقاربة لا تستقيم مع دعوات المقاطعة.

- مقابل النقطة التي كسبتها الحركة النسوية الاحتجاجية وتلقفها النظام والمرشد السيد علي خامنئي بايجابية وتجسدت في تبدل نوعي في مساحة الحرية الشخصية للنساء، سجل النظام نقطة مبدئية رابحة، حيث أتاح شعورا بالفخر للإيرانيين الذين ينظرون من حولهم الى الشعور بالعجز والتخلي وأحيانا الخزي، لأن حكوماتهم لا تفعل شيئا لدعم الشعب والمقاومة في غزة، بينما يرد ذكر حكومتهم كجهة مسؤولة عن دعم غزة ومن يساندها، وعلاقة الدولة الايرانية بحركات المقاومة كانت غالبا قضية تستخدمها المعارضة الجذرية للنظام، للقول إن أموال الإيرانيين يتم هدرها على إنفاق لا يعود على الإيرانيين بشيئ ولا يعنيهم من قريب أو بعيد، لتحمل حرب غزة للإيرانيين جوابا مغايرا، ويظهر أن دعم إيران لقوى المقاومة وضع إيران من جهة في مصاف الدول العظمى، ووضع إيران في مرتبة انسانية تمنح مواطنيها الشعور بالاعتزاز مقابل دول عربية وإسلامية أصابتها حرب غزة بالانفصام وفجرت بداخلها أسئلة لا تزال بلا أجوبة.

- العامل الثالث غير المرئي، هو التحول الذي طرأ على المناخ الإقليمي منذ الاتفاق السعودي الايراني الصيني، حيث تشكل العلاقة الهادئة بين إيران ودول الخليج عامل استقرار داخلي إيراني، لأن الكثير من التمويل للمعارضات السياسية والاعلامية يأتي من الجوار الخليجي، والكثير من الحملات والقنوات تخاطب الإيرانيين من الجوار الخليجي، ورغم ان بعضا من المناخ السلبي لا يزال مستمرا، إلا أنه فقد الكثير من الزخم بتراجع محركاته السياسية، وغياب الحملات الحكومية الخليجية العدائية لإيران، وقد كانت الكثير من خطابات المعارضة تأخذ على النظام ما تسميه استعداء الجوار، واستفزاز الجوار، وبعض خلفيات هذا الخطاب الحصول على نصيب من التمويل الخليجي، والخطاب فقد مضمونه اليوم مع علاقات تحمل كل يوم خبرا عن التشاور بين مسؤول إيراني و مسؤول خليجي، ويفقد تمويله بالتدريج.

- في توقعات تركيبة المجلس النيابي المقبل سوف تحضر كل التشكيلات السياسية الايرانية مع احجام واوزان جديدة، لكن الجديد الأبرز سوف يكون هو ظهور كتل من المستقلين الذي يحملون اجندات قطاعية، خصوصا النساء واصحاب التصورات الاقتصادية الإصلاحية، أما على الصعيد السياسي فيتوقع أن يكون المعتدلون من تيار المحافظين هم أصحاب الثقل الأكبر، خصوصا اذا نجحوا باستقطاب جزء فاعل من كتل المستقلين واحتواء برامجها المطلبية ضمن سقوف تحركهم البرلماني، والخلاصة هي حيوية إضافية يضخها نظام الثورة الإسلامية في جسد المجتمع، وتجدد شباب النظام والثورة، وتثبت شرعية الخيارات الاستراتيجية لهما.

 

2024-03-02 | عدد القراءات 171