التقدير الخاطئ للاحتلال وراء المماطلة
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- يعرف بنيامين نتنياهو بصفته المدير الفعلي والحصري لدفة الحرب والتفاوض، أنه يحظى بدعم واشنطن العملي، الذي تستدعي الظروف تغليفه ببعض الاعتراضات والانتقادات التي لا تترجم حجب مال أو سلاح أو تغيير في وجهة استخدام الفيتو، بل تترجم بدعوة المعارضة الداخلية للتريث في أي خطوات تهدد وحدة حكومة نتنياهو، وهذا ما سمعه بني غانتس في واشنطن، مع دعوة المعارضة للحفاظ على استعدادها للمشاركة مع نتنياهو في حكومة إذا خرج منها اليمين الذي يمثله ائتلاف ايتمار بن غفير بتسلئيل سمو تريش، وهذه المعرفة تمنح نتنياهو القدرة على مواصلة الحرب والتفاوض تحت سقف منع تحقيق انتصار للمقاومة يكرس صورة طوفان الأقصى، دون أن يقيم حسابا للمتغيرات التي حملها الشارع العالمي والغربي خصوصا، طالما أن واشنطن تتولى احتواء هذه المتغيرات.
- يعرف نتنياهو أيضا أن وضع الكيان الداخلي أبعد ما يكون عن التماسك والاستقرار، وما تقتضيه حال الحرب، ويعرف انه لا يستطيع الاستهانة بالتشقق السياسي الداخلي الآخذ بالاتساع، ولا يستطيع الاستخفاف بما يشهده الجيش من اهتراء يصيب وحدات النخبة، وفشل عسكري يدمر الروح القتالية، ولا يمكن له إدارة الظهر لما تمثله كل من المشكلتين الكبيرتين اللتين تضغطان عليه ولا حل لهما، قضية الأسرى لدى قوى المقاومة، وقضية مهجري الشمال بفعل فتح واتساع جبهة جنوب لبنان، وهو يدرك أن لا حل عسكري لكل من هاتين المشكلتين، وأن التفاوض حول اتفاق غزة هو المدخل الوحيد لحل كليهما، بعدما بات ثابتا أن لا وقف للنار على جبهة جنوب لبنان إلا بوقف النار على جبهة غزة.
- اضافة لهذه العينة من المشكلات ثمة الكثير من التصدع في الكيان واقتصاده وحالته النفسية و المأزق الوجودي، والهجرة المعاكسة وتراجع الاقتصاد، تدفع بنتنياهو نحو الحل التفاوضي، وعندما لوحت حركة حماس بالانسحاب من المفاوضات ما لم تدخل المساعدات الى شمال غزة سارع الى ارسالها، لكن نتنياهو يماطل في المفاوضات، ويراهن على تحسين الشروط، ويعتقد بقدرته على احتواء الأزمات التي تضغط عليه ريثما يصل الى حل تفاوضي مناسب، والتعثر التفاوضي ناجم عن قراءة نتنياهو القائمة على مجموعة من الحسابات الخاطئة، التي تتصل بفهم الموازين الحقيقية للحرب وعامل الوقت فيها.
- يسعى نتنياهو على جبهة لبنان، بعيدا عن التلويح الفارغ بالذهاب إلى الحرب، إلى إقامة توازن التهجير مع المقاومة، وهو يدرك أن قضية المهجرين من جنوب لبنان ليست بحجم تأثير قضية المهجرين في شمال فلسطين المحتلة، لا من حيث حجم التهجير ولا من حيث تأثيره السياسي، ولذلك فإن استهداف المدنيين مرات متلاحقة من جهة، وتوسيع مدى الاستهداف جغرافيا ولو دون أهداف عسكرية أو مدنية، من جهة أخرى، هي تعبير عن سعي لخلق مناخ حرب متدحرجة يريد اثارة الهلع في وسط الناس لدفع عملية التهجير الى التدحرج هي الأخرى، وقد اغاظه ما رآه على الحدود في تشييع شهداء المقاومة من حشود، مقابل دفن قتلى جيشه بصمت وحضور رمزي للعائلات وأحيانا ليلا على ضوء الشموع، وفي اعتقاد نتنياهو أن خلق التوازن في التهجير يشبه توازن الردع ويتيح الضغط على المقاومة في لبنان بما يخفض سقف شروطها بالدعم المفتوح للمقاومة في غزة، وفق معادلة، خذوا وقتكم فنحن مرتاحون في جبهتنا ولن نوقف النار حتى تصلوا الى اتفاق يرضيكم، والانتقال الى معادلة سارعوا بالتوصل إلى اتفاق فالوضع يزداد سوءا، ومشكلة نتنياهو هي أنه لا يقيم حساباته على أساس الفرق بين جبهته الداخلية والبجهة الداخلية للمقاومة، وهي بيئة ملتصقة بخيارات المقاومة ومستعدة للتضحية، وتنظر لما تقوم به المقاومة باعتباره أهم حرب حماية لأمن الجنوب ولبنان، بالمقارنة مع حرب التحرير التي انتهت عام 2000 او حرب الدفاع عام 2006 ، فالحرب الحالية هي حرب تثبيت الموازين التي سوف تحكم جبهة الحدود زمنا طويلا قادما وشعب المقاومة لن يخذل نفسه بالضغط على المقاومة لتخفيض منسوب حضورها، لأن هذا الحضور هو الذي يقرر التوازنات النهائية ودرجة الأمن على خط الحدود.
- يراهن نتنياهو على أن عامل الوقت رغم الأزمات العديدة في الكيان وجيشه، عامل ضغط أكبر على المقاومة في غزة، ويعتقد أن ما لدى المقاومة من قدرة صمود عسكرية ليس كما توحي المواقف المعلنة لقياداتها، ووفق هذا التقدير أن المقاومة أعدت للصمود لثلاثة شهور وهي تنهي الشهر الخامس، ما يعني أن ما لديها يكاد ينفد، وأن المزيد من التمسك بالشروط سوف يدفع المقاومة في لحظة قادمة لقبول حل وسط، ترفض مثله اليوم، لكن نتنياهو لم ينتبه إلى أن المقاومة في غزة كانت تتحدث عن سلاح الصواريخ البعيدة المدى عندما قال بعض قادتها بالقدرة على مواصلة القصف من ثلاثة شهور إلى ستة شهور، وأن ما لدى المقاومة في القدرة القتالية البشرية و التسليحية بلا سقف، ولذلك قامت المقاومة بتقنين إطلاق الصواريخ البعيدة المدى لاستخدامها في وظائف نوعية عند الحاجة.
- ما يفعله نتنياهو هو أنه يستنزف احتياطات الكيان على التحمل في كل الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية والسكانية والنفسية، وأن هذا الشد العصبي الذي يمارسه على الكيان سوف يؤدي الى انفجار أحد صمامات الضغط، سواء في المؤسسة العسكرية أو في الاقتصاد او في السياسة او في الشارع، وعندها سوف يجد أن الوقت قد فات ليقدم عرضا تفاوضيا مقبولا لأن الاتجاه الذي سوف يسبقه على مستوى الكيان سوف يكون استبدال مطالبته بالحل التفاوضي، لصالح مطالبته بالتنحي لفتح مسار جديد موثوق.
2024-03-05 | عدد القراءات 150