حرب فلسطين والحروب البديلة
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- يعتقد البعض ان مجرد وقف الحرب ومآسيها وآلامها يصلح لأن يشكل هدفا كافيا بذاته، بمعزل عن الشروط السياسية لوقف الحرب، وهذا الاعتقاد يزيد حضورا أمام ما يشاهده الناس على مدار اللحظة من مأساة فلسطينية مفتوحة في غزة، حيث يعيش الناس معاناة غير مسبوقة وهم يعيشون في ظل دوامة القتل والتجويع والتشريد، لكن ذلك مجرد خداع بصري.
- منذ تفرد أميركا بالحكم على العالم بعد تفكك الاتحاد السوفياتي دخلت منطقتنا تحت تأثير ارتدادات المشروع الأميركي الهادف الى جعل كيان الاحتلال صاحب اليد العليا سياسيا وأمنيا وعسكريا واقتصاديا على مستوى المنطقة، عبر الفصل بين عملية السلام بين الكيان ودول المنطقة والحل الذي يراعي الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، ثم الفصل بين عملية السلام بين دول الطوق المحيطة بفلسطين ومشروع التطبيع بين الكيان ودول الخليج، وسائر الدول العربية البعيدة عن فلسطين، ولأجل هذا الهدف كانت السنوات العشرة الأولى بعد العام 1990 هي سنوات السلام دون حل جدي للقضية الفلسطينية ولو بالحد الأدنى، وكانت الاختراقات الأميركية في اتفاقات وادي عربة واتفاقيات أوسلو، والفشل في إحداث اختراق على الجبهة السورية رغم اغراء تفويض سورية في لبنان وفتح الباب أمامها لتحقيق مكاسب اقتصادية وعرض شراكات عربية وأوروبية، وانتهت العشرية الأولى بانتصار المقاومة في لبنان عام 2000 بالحاق الهزيمة باسرائيل واجبار جيش الاحتلال على مغادرة لبنان دون تفاوض ودون قيد أو شرط، وكان انتصار المقاومة انتصار لإستثمار لبناني سوري إيراني مشترك في مواجهة المشروع الأميركي.
- دخلنا العشرية الثانية (2000-2010) مع خطط حربية أميركية بدأت مع تسلم المحافظين الجدد للحكم عام 2000، وترجمتها غزوات أفغانستان والعراق لاحكام الطوق على ايران وسورية، وتلتها حرب تموز 2006 وحرب غزة 2008 املا بتحقيق اختراق عسكري لم يتحقق، بينما كان العام 2000 موعدا لتطوير مشروع المقاومة مع وصول الرئيس بشار الأسد الى الحكم عام 2000، وتحقق الانسحاب من غزة بقوة المقاومة تحقق انتصار تموز 2006 ومثله انتصار غزة 2008، لندخل العشرية الثالثة (2010- 2020) في زمن الفوضى الخلاقة والفتن المذهبية وكانت الذروة في الحرب على سورية التي انتهت هي الأخرى بفشل أميركي.
- بدأت العشرية الرابعة (2020-2030) بإنجاز إيران لملفها النووي، وتحقيق سورية لاستعادة المبادرة نحو نصرها، ونجاح اليمن بفرض حضوره الاقليمي منذ هجوم أرامكو 2019، وبدأ الهجوم المعاكس بمعركة سيف القدس 2021، وقد أكملت المقاومة جهوزيتها كقوة ردع وامتلكت قوتها الضاربة في لبنان وصواريخها الدقيقة، وولد محور المقاومة، وبدأت المصالحات الايرانية السعودية ثم دعوة سورية الى القمة العربية، فانطوت صفحة الفتن، والحروب العربية العربية، وجاء طوفان الأقصى تتويجا لمسار حروب بادرت اليها المقاومة في غزة منذ سيف القدس الى وحدة الساحات وثأر الأحرار، وكان الزلزال الذي هز الكيان وانهى صورة القوة التي لا تقهر، واستدرج الأميركي إلى المنطقة ليجد نفسه وجها لوجه أمام أنصار الله في البحر الأحمر.
- العبرة الأهم لهذه السلسلة هي أنه كلما تراجعت حرب فلسطين حضرت الحروب البديلة، حروب الفتن والحروب الأهلية، وصعد الإرهاب، وقد خسر العرب في هذه الحروب بمال عربي وسلاح عربي وفتاوى عربية قرابة مليون شهيد وضحية بين سورية واليمن وليبيا والسودان، وبالمقابل كلما حضرت حرب فلسطين تراجعت الحروب البديلة، والثابت أنه عندما تضطر أميركا للحضور للقتال وتجد إسرائيل نفسها في قلب حرب ضارية لا تعرف منها مخرجا، فهذا يعني الفشل الأميركي الاسرائيلي بجعل العرب يقاتلون بعضهم ويقتلون بعضهم، وكل نهاية رمادية لحرب فلسطين، ليس فيها نصر بائن تعني فتح الباب أمام الأميركي والاسرائيلي لاعادة استنهاض وتنظيم الحروب البديلة.
- كلنا نريد ان نرى نهاية لهذه الحرب المؤلمة والقاسية، لكننا يجب أن نكون متأكدين من أننا لا نفتح بإغلاق باب هذه الحرب من أننا لا نفتح الباب أمام الحروب البديلة الشد آلاما ونزفا وقسوة، والطريق الوحيد لذلك هو التمسك بشروط تجعل وقف الحرب نصرا بائنا للمقاومة، يستنهض الشعوب الى جانب خيار المقاومة، ويردع الحكومات عن التورط مع الأميركي والإسرائيلي.
2024-03-15 | عدد القراءات 116