نقاش افتراضي مع متفذلك يشكك بالطوفان وجبهة لبنان
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- بصورة عكسية للمنطق تصاعدت الأصوات العربية ومنها نصيب لبناني هام، التي تناقش في الشهر السادس جدوى طوفان الأقصى، وتطعن بجدوى جبهة لبنان المساندة، ومخالفة المنطق في التوقيت تعود لأن الطبيعي كان أن تخرج أصوات التشكيك بالطوفان في الشهر الأول لحرب غزة وظهور مشاهد الدمار والقتل الكبرى، طالما أن حجة التشكيك هي الأكلاف البشرية والمادية، وان تظهر في الشهر الأول في لبنان أيضا طالما أن الحجة هي القلق من اندلاع حرب إسرائيلية كان مفهوما الخوف منها في البدايات أكثر، أو حجم الخسائر وكان وقعها في البدايات أعلى، و بالرغم من أن هذه الأصوات هي مجرد أصوات إعلامية لا أكثر، ومن أن استفاقتها مبرمجة لتعطيل التفاعل العربي واللبناني الشعبي الحقيقي مع الطوفان ومع جبهة لبنان، وهذا سر ارتفاع وتيرتها ومنحها منابر مفتوحة، وتسليط الضوء عليها، وزيادة إيقاع صراخها، وبالرغم من أن هذا النقاش قد جرى مرارا مع حججها، الا ان ارتفاع صراخها مؤخرا بات يستحق في الحقيقة، جرعة جديدة.
- ينتمي المتحدثون عن حجم الأكلاف التي ترتبت على طوفان الأقصى إلى أحد معسكرين، واحد يؤيد المسار الفلسطيني الرسمي للسلطة، وآخر يؤيد ثورات الربيع العربي، وإن أخذنا جماعة المسار الأول الذين عبر عنهم البيان المنسوب لحركة فتح حول اعتبار الطوفان مغامرة تسببت بكارثة وطنية، فإن السنوات الستين التي تمثل عمر الثورة والسلطة معا، هي ثلاثين أولى ترتبت عليها حروب في الأردن ولبنان وانتهت بالاجتياح الإسرائيلي للبنان ومجازر صبرا وشاتيلا، ودفعت خلالها أكلاف تعادل ضعف أكلاف الطوفان، ودمر لبنان خلالها مرتين، مرة خلال الحرب الأهلية وأخرى خلال الاجتياح، وفي مجزرة صبرا وشاتيلا التي تشبه مجزرة غزة، كانت الحصيلة 13 ألف شهيد أغلبهم من النساء والأطفال، والثلاثين الثانية كانت للسلطة وكانت كلفتها أكثر من عشرة آلاف شهيد وعشرات الآلاف الذين دخلوا الأسر تباعا، اما على صعيد مصير القضية الفلسطينية فإن الحصيلة كانت ابتلاع الضفة الغربية عبر الاستيطان، وتهويد القدس الشرقية، وضياع القضية في متاهات وزواريب الرهان على أميركا، التي أيدت ضم القدس الشرقية لكيان الاحتلال وتحدثت عن تشريع المستوطنات في الضفة مقابل الامتناع عن توسيعها، ولولا الطوفان وما رافقه من تضحيات لما عاد الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، ولم شعر العرب بأن تجاهل القضية الفلسطينية مستحيل في استقرار المنطقة، ولما نهضت شعوب ودول تحمل راية فلسطين، هذا مع الاشارة الى ان المقاومة لم تهزم رغم ستة شهور من الحرب المفتوحة الأميركية الاسرائيلية، وهي لا تزال تقاتل وتضع الشروط لوقف النار، ويفشل المحتل بترحيل قادتها ومقاتليها في صفقة على طريقة الخروج من بيروت عام 1982.
- أما جماعة الربيع العربي وثورات الديمقراطية التطبيعية، فعليهم أن يقدموا كشف حساب بالحروب التي دافعوا عنها وتبنوا القتال فيها، وصولا الى تغطية الجماعات الارهابية وتسميتها على الطريقة الفرنسية بمقاتلين من أجل الحرية، ومنهم في لبنان من سموهم بالثوار، وهذه الثورات والحروب صار رصيدها قرابة المليون شهيد وضحية ودمار عدة دول عربية، من سورية الى ليبيا الى اليمن الى السودان، ولم تحقق شيئا من وعودها رغم تخليها عن الاستقلال الوطني و تسليمها شؤون دول عربية للأجنبي، وتخليها عن مفهومها للديمقراطية والحرية بالتنظير لثوار تنظيم القاعدة باعتبارهم ممثلا شرعيا للشعوب، حتى لو فرضوا نمط حياة اجتماعية وشخصية تنتهك الحريات، وهم ام يرددونه يوميا بحق قوى المقاومة الإسلامية، التي لا يمكن مقارنة حجم تأثيرها على الحريات الشخصية بحجم ما تضمنته امارات النصرة وداعش في سورية والعراق، فهل يعقل لمن في رقبته مليون شهيد وخراب دول كاملة دون تحقيق أي منجز او فتح الباب لأي أمل، أن يتجرأ للحديث عن أكلاف الطوفان، وهي تقارب 3% من أكلاف ثوراتهم وحروبهم الكارثية، أمام صدقية نجاح الطوفان بتحقيق ما لم تحققه القضية الفلسطينية منذ خمسة وسبعين سنة، سواء في اصابة الكيان في صميم قوة الردع وتماسك المجتمع والجيش، والنجاح بإطلاق شارع عالمي يتعاظم تأييد لحق فلسطين وشعبها، وفتح الباب لتداعيات لم تنته بعد وكلها بشائر خير بأن حرب التحرير التي افتتحها الطوفان ستبلغ أهدافها، سواء بالنقاط او بالضربة القاضية.
- أما عن جبهة لبنان وفاعليتها، فلنناقش أثر التهجير لمستوطني الشمال على الكيان، والتيقن من أن هذه الأزمة الوجودية لا حل لها دون وقف الحرب على غزة، وهذا بذاته كاف، لجهة إسناد غزة، ومثله ما يفعله اليمن لجهة خلق أزمة ضاغطة يصعب التأقلم معها وربط حلها بوقف الحرب على غزة، وإن لم يكن هذا هو مفهوم الإسناد فماذا عساه يكون، ولن ناقش بحجم الأشغال والأذى العسكري ماديا ومعنويا على جيش الاحتلال وسنده الاميركي، الذي لا يسأله الاسرائيليون عن لا جدوى الاسناد، لأنهم يعلمون أنه رغم عدم ذهابه لحرب مفتوحة مع قوى ودول محور المقاومة، فهو يشكل المكافئ الموازي مقابل إسنادها لغزة، وهذا معنى أن تدخل قوى محور المقاومة فرض استنزافا عسكريا ومعنويا لقوة الأميركي والاسرائيلي جعل الوقت في غير صالحهم، ووضعهم بين خياري حرب شاملة لا يستطيعون المخاطرة بخوضها، أو الذهاب إلى وقف الحرب على غزة، و سنناقش فقط ما يقوله المعترضون عن تعريض لبنان للخطر بحرب كبرى، ونقول لهم، أليس مرور ستة شهور تقريبا من الجبهة المفتوحة دون تجرؤ الاحتلال على شن هذه الحرب الكبرى، دليل على أن احتمال عدم شنها حقيقي، وأن قوة ردع المقاومة حقيقية ايضا، وان المقاومة نجحت في اختبار فتح الجبهة دون المخاطرة بالحرب الكبرى، ولماذا لا يكون المنطق الطبيعي هو انه طالما نجحت المقاومة بتحقيق ذلك فاحتمال ان تنجح أكثر يبقى قائما، وهنا يصير السؤال هو هل ان الطعن بالمقاومة يشجع العدو المتردد بخوض هذه الحرب على خوضها ام يزيد تردده أكثر، لنعرف جوهر حرص هؤلاء على تجنب الحرب ام استجلابها بطمأنة الاحتلال ان هناك خصوم للمقاومة جاهزون للانقضاض عليها اذا تجرأ وشن الحرب؟
- يبقى نقطة أخيرة حول جبهة لبنان يجب شرحها للأغبياء الذين يتحدثون عن مبرر فتح الجبهة، ونبدأ بسؤال بسيط هو هل يتوقع أي ساذج ان المقاومة التي يتوعدها الكيان بالحرب منذ فشله بحرب تموز، ويعد كل سنة المناورات لخوض غمار هذه الحرب، وذهب إلى الأمم المتحدة حاملا خرائط يزعم أنها وصواريخها املا بتهيئة المناخ المساند لخوض هذه الحرب، سوف تكون بمنأى هي ولبنان عن خطر شن حرب اذا نجح الاحتلال بكسر غزة وهزيمتها، وعندها ستكون الحال المعنوية لجيشه والدعم في الرأي العام الداخلي ولدى حكومات الغرب لخوض غمار هذه الحرب في اعلى مراتبها، فهل على المقاومة أن تنتظره حتى يأتيها بحرب يملك أفضل اسباب خوضها وبيده عنصر التوقيت، أم تفعل ما فعلته، فتسقط عنصر المفاجأة من يده بجعل الجبهة مفتوحة وتحت تسخين متصاعد، وتواكب حرب غزة، وعندما تكون مؤشراتها سلبية ترفع وتيرة تصعيدها لتجعل نصره أعقد وأصعب وصولا لفرضية الذهاب إلى الحرب وهو منهمك في عدة جبهات، وهل هناك عاقل بتوهم أن وحدة الساحات خيار، وهي قدر يفرضه الربط الذي يقيمه الاحتلال ومن خلفه الأميركي بين كل قوى المقاومة في المنطقة، لكنهما يريدان الاستفراد بحلقاتها واحدة واحدة، وما يفعله المشككون هو أنهم يقدمون العون لدعوات الاستفراد، فيريدون صمت الجبهة اللبنانية، حتى يقرر الاحتلال الذهاب الى الحرب وهو في ظروف مناسبة!
2024-03-19 | عدد القراءات 165