الابهار الإيراني يقلب معادلات الردع الاستراتيجية
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- هذا المقال مخصص لاستعراض قراءة بعقل بارد لمشهد الرد الإيراني على الغارة الاسرائيلية التي استهدفت القنصلية الايرانية في دمشق، مع الأخذ بالاعتبار ان هناك عقول مغلقة أو مسطحة لا تريد ان ترى في الرد مجرد رد، بل يراه بعضها مسرحية، وبعضها الآخر مجرد حفظ ماء الوجه، وبعض ثالث فشلا ذريعا، والحجة أما عدم وقوع خسائر بشرية أو احتراق منشآت مدنية حيوية ظاهرة، ونجاح التصدي الاميركي الاسرائيلي للصواريخ والطائرات المسيرة الايرانية بإسقاط نسبة كبيرة منها، ولهؤلاء الجواب بسيط، هذه المسرحية والفشل وحفظ ماء الوجه يقول ان ايران تظهر جاهزيتها لتحمل مخاطر الذهاب إلى حرب تأكيد قدرتها الردعية، فهل يمكن أن نتمنى عليكم إقناع اصدقائكم الأميركيين وربما الإسرائيليين، ان يختاروا مسرحية مثلها وفشلا مثله وحفظ ماء وجه من صنفه لإظهار قدرة ردعهم بتحمل مخاطر الذهاب الى حرب، بعرض ناري مشابه في الأجواء الإيرانية، الحل بسيط وان كانوا قادرين عليه فليفعلوا، وإلا اخرسوا بكل احترام وأدب وتحفظ!
- لندخل في الموضوع، فما فعلته إيران هو أنها حركت 331 جسما طائرا متفجرا في نسق مبرمج ومنظم يغطي جغرافية فلسطين المحتلة من أقصى شمالها الى اقصى جنوبها، عبر توجيه هذه الأجسام الطائرة المتفجرة نحو أهداف عسكرية لجيش الإحتلال، بعدد الأجسام الطائرة وعلى كل مساحة فلسطين، واختارت إيران لهذه المهمة أجيالا هي الأقل تطورا في ترسانتها سواء لجهة سرعة بلوغ الهدف والقدرة على المناورة والتمويه بوجه الرادارات وشبكات الدفاع الجوي ومحاولات الإسقاط، بحيث كان الوقت الفاصل بين انطلاق الطائرات المسيرة وبلوغها منطقة الهدف ترافقها الصواريخ التي أطلقت على عدة مراحل بما يتناسب مع سرعاتها المختلفة، كافيا كانذار يهدف الى اتاحة استنفار الجهات المنخرطة في حلف عسكري لمواجهة الرد، لكن التصدي المقصود ليس إطلاق صواريخ الطائرات ال ف 35 ومنظومات الدفاع الجوي المختلفة من منظومة ثاد الأميركية المتطورة الى المقلاع الإسرائيلي وحتس والقبة الحديدة، بل ما جاءت تفعله مدمرتان أميركيتان متخصصتان بالحرب الالكترونية جرى استقدامهما خصيصا واحدة إلى البحر المتوسط وواحدة إلى منطقة الأسطول الخامس في البحرين في مياه الخليج، بهدف الدخول على شبكة التحكم بإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة لمنع اطلاقها او حرفها عن مسارها أو السيطرة عليها واسقاطها سليمة اذا امكن، كما سبق وفعلت ايران وقوى المقاومة مع طائرات مسيرة اميركية واسرائيلية، لكن النتيجة كانت صفر مكعب، فمن اصل 331 جسم طائر متفجر لم تنجح منظومة الحرب الالكترونية الأميركية لتعطيل او حرف مسار او السيطرة على جسم واحد.
- بين الروايات الإسرائيلية الرسمية والروايات المنشورة في الإعلام الإسرائيلي، وصل بين 7 و 30 صاروخا ايرانيا الى أهداف في داخل الكيان، ليس بينها هدف مدني واحد أو منشأة مدنية واحدة، وطالما نتحدث عن الصواريخ الواصلة فلا حاجة للقول ان الأمر لا علاقة له بـ الأميركي والاسرائيلي، بل بقرار إيران وما أرادت اظهاره من تفوق أخلاقي لنمط حرب المقاومة، على نمط حرب اميركا على العراق وأفغانستان وفي ليبيا واليمن وسورية، ونمط حرب اسرائيل بنسختها الحديثة التي ضج بها العالم لما امتلأت به من أنواع جرائم الحرب وصولا الى جريمة الإبادة، والرسالة الايرانية واضحة، لو شئنا أن نقتل عائلاتكم وندمر مساكنكم وكهربائكم ومستشفياتكم، كما فعلت حكومتكم بغزة لفعلنا، ويعرف الخبراء من الاسرائيليين كما قالوا ان استخدام ايران للأجيال الأقل تطورا من طائراتها المسيرة وصواريخها، يقول ايضا لو اردنا مفاجأتكم، بصواريخ تصل خلال دقائق تعجزون عن التصدي لها لفعلنا، أو بطائرات مسيرة لا تلاحظها راداراتكم ولا تنجح صواريخكم بالتصدي لها لفعلنا، وإن كنا لم نفعل، فهذا لا يجب أن يعني أننا في مرة لاحقة لن نفعل، فالأمر وقف على حسن تصرفكم مع حكومتكم لشل يدها عن العبث الأحمق، وحسن نصرفها بتلقي الدرس بعد تصرفها الأخرق.
- عمليا ما فعلته إيران هو أنها هزأت بحكومة الاحتلال وخرافة اكتفائها الذاتي عسكريا، حيث سقطت كل الأسماء اللامعة لمنظوماتها، وظهرت عارية من وسائط التعامل الجدي مع هذا المستوى الابتدائي من الرد الإيراني، الذي كان ممكنا أن يتضمن عشرات أضعاف الكمية المرسلة لكن من الطائرات المسيرة السريعة والتي تحمل رؤوسا حربية ثقيلة والقادرة على المناورة، والصواريخ الدقيقة و الفرط صوتية، وما دامت منظومات الاحتلال كلها عاجزة عن التعامل مع هذه الوجبة من الرد الإيراني فكيف كانت ستتعامل مع رد مختلف من العيار الثقيل، وعمليا ما فعلته ايران انها جاءت باميركا وفرنسا وبريطانيا إلى المنطقة ودفعت دولا عربية للكشف عن حجم خضوعها للاستخدام الأميركي لحساب إسرائيل، بحيث عرف الإسرائيليون أنهم فقدوا دور القوة المهيمنة المهابة الجانب، وانهم باتوا مجرد محمية أميركية، والأهم أن اميركا لم تعد قادرة على التنصل من مسؤوليتها عن جرائم الكيان وجيش الاحتلال، ما دامت هي من يمول ومن يحمي، ما يعني انه اذا ردت حكومة بنيامين نتنياهو على الرد فان ايران تعتبر ان اميركا هي التي ترد، وسوف يكون العقاب القادم على القواعد الأميركية في المنطقة، وان لم ترد حكومة نتنياهو فهذا يعني ان اميركا تلقت الدرس وفهمت ان عليها ان تقود مسار انهاء الحرب على غزة بشروط المقاومة، لأنه الطريق الوحيد لاستعادة الاستقرار الى المنطقة، سواء في تداعيات هذه المواجهة، أو في جبهات العراق ولبنان واليمن.
- وصلت الرسائل، وأثبتت ايران انها استبدلت استراتيجية الذبح بالقطنة باستراتيجية حرب الأكباد، وفق معادلتين، الأولى هي، يملك الردع من يجرؤ على المخاطرة بالذهاب الى الحرب، فها نحن نفعل لكنكم لا تجرؤون على المثل، والثانية هي، قادرون على الحرب لكننا لا نريدها لكنكم تريدونها وغير قادرين عليها.
2024-04-15 | عدد القراءات 132