نقاط على الحروف 17/4/2024

تحول استراتيجي كبير…فهل تقع المواجهة الكبرى؟

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- تتحرك المقاربة الأميركية للرد الإيراني على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق، بصورة ديناميكية وتتغير على أساسها المواقف، وعلى إيقاعها تتحرك المقاربة الإسرائيلية، التي قالت بلغة انفعالية غاضبة بعد الرد الإيراني أن الرد عليه آت لا محالة وقريبا، وتراجعت نحو منطقة الدراسة الباردة في غرف التحليل الاستراتيجي المشترك مع الأميركي، وصار الموقف في اليوم التالي أقرب للتخلي عن الرد، والاكتفاء بالاحتفال بما وصفه الأميركيون والبريطانيون بالانتصار المشترك على إيران عبر إسقاط 99% من الصواريخ والطائرات المسيرة التي شاركت في العملية، لكن شيئا ما قد حدث وبدأت تتغير معه المقاربة الأميركية الإسرائيلية الموحدة، تحت عنوان لابد من الرد، فتحدث الأميركيون بلغة جازمة عن ترك القرار المناسب تجاه الرد لإسرائيل، والاكتفاء بتجديد وتأكيد الإلتزام بالثبات على حماية أمن "إسرائيل"، بينما كان مجلس الحرب الإسرائيلي بمشاركة كل أصدقاء واشنطن يقرر بالإجماع حتمية الرد، فما هو الذي حدث وغير في المقاربة؟

- بعض الإضاءات سوف نجدها فيما تتضمنه التحليلات و التقارير غير الرسمية، لكن التي تتمتع بمصداقية أعلى من البيانات والتقارير الرسمية، وهي تلك التي ينشرها كتاب الصفحات الأولى في الصحف الأميركية والإسرائيلية، والضباط الكبار المتقاعدون، والمحللون العسكريون، حيث تكشف هذه التحليلات والتقارير عن مجموعة نقاط ملفتة تتصل بتقييم الرد الإيراني، حيث تسقط نظرية إسقاط 99% من الصواريخ والطائرات المسيرة المهاجمة، ويتبين أن هناك دفعة صاروخية صممت لاختراق الدفاعات الجوية الأميركية والإسرائيلية نجحت بعبور الأردن ودخلت أجواء فلسطين المحتلة وبلغت أهدافها، وهي 25% من الصواريخ الموجهة التي شاركت في العملية، بما يزيد عن 30 صاروخا، بينما تولت الطائرات المسيرة البطيئة المهمة التي تتناسب مع برمجة شبكات الدفاع الجوي الأميركية والإسرائيلية لجذب صواريخ بطاريات الدفاع الجوي التي تبرمج على اعتبار الأجسام الطائرة البطيئة أشد خطرا وأكثر أهمية، وتبين أن الصواريخ التي بلغت أهدافها هي صواريخ من طرازات يصعب تتبعها عبر الرادارات وبعضها يتمتع بميزة تعديل مساره وسرعته والمناورة بعد الإطلاق، كما يتبين أن هذه الصواريخ تسببت بتدمير منشآت حيوية في الموقعين المستهدفين شمال الجولان وجنوب النقب، وهما مقر العمليات الاستخباري للعمليات الجوية، والقاعدة الجوية للطائرات المعدة لحمل رؤوس نووية والتي تستخدم كمهبط ومقر لطائرات الاف 35، وقد كان لكل من الموقعين دور في غارة القنيطرة، وقتل وجرح بحصيلة الاستهداف عشرات الضباط والجنود في المؤسسات العسكرية والأمنية.

- تحليل هذه الحصيلة ألغى فرضية رمزية الرد الذي كان يمثل التوقع الرئيسي للاستخبارات الأميركية والبريطانية والاسرائيلية طوال فترة ما قبل الرد، وعند ربط هذه الحصيلة بالطابع المبهر لعملية الرد كما ونوعا وسياق، تصبح النتيجة أكثر وضوحا بما يؤكد أننا لم نكن أمام مجرد رد على غارة القنصلية، بل أمام قرار إيراني كبير يتصل بمفهوم الردع، ويعلن الانتقال من مرحلة إلى مرحلة في التعامل مع الاستهدافات الإسرائيلية من جهة، وأمام قرار استراتيجي كبير يتصل بجرعة التدخل اللازمة في مرحلة ما بعد طوفان الأقصى والمواجهة الدائرة بين الحلف الأميركي الإسرائيلي من جهة، ومحور المقاومة من جهة مقابلة، وجاءت عملية ربط التحذيرات الإيرانية التي سبقت الرد بتلك التي تلته تعليقا على فرضية رد إسرائيلي على الرد، تؤكد هذا الاستنتاج، فايران لن تصمت على أي استهداف لمؤسساتها و لأي من مصالحها داخل وخارج إيران بعد الآن، ما يعني أن الرد الإيراني لا يعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل الغارة على القنصلية، وإيران سوف تعتبر القواعد الأميركية في المنطقة أهدافا مشروعة إذا شاركت أمريكا في الرد الاسرائيلي، وإيران سوف تعتبر الدول التي تقدم تسهيلات للرد الاسرائيلي في حال عداء وحرب معها، ما يعني توسيع المدى في الجهوزية لرسائل ردع اقليمية استراتيجية، وصولا الى ان الرد الايراني سيكون عشرة اضعاف الرد الحالي، كما ونوعا، مهما كان حجم الرد الاسرائيلي متواضعا في طبيعة الهدف وحجم الاستهداف، ما يضع المعادلة الاستراتيجية التي تريد ايران رسمها أقرب الى معادلة، الأمر لي وانتهى زمن اسرائيل كقوة ضاربة في المنطقة وبدأ زمن ايران.

- ليس ممكنا لإسرائيل التسليم بهذه الحصيلة هذا مؤكد، لأنه هزيمة أكبر من هزيمة القبول بشروط المقاومة لوقف النار في غزة، التي أرادت اسرائيل الهروب منها عبر غارة دمشق، لكن التسليم لا يبدو ممكنا أميركيا ايضا ويستعجل على واشنطن التمعن في المعادلة الجديدة ومعنى التأقلم معها، لجهة التسليم بلاعب اقليمي دولي كبير اسمه ايران، يملك بنية تحتية تقنية متطورة بإمكانات ذاتية، وراكم خبرات وقدرات عسكرية كافية لخوض المنازلة، يشمر عن ساعديه ويتحدى في الميدان، لكن بذكاء وبنعومة خيوط الحرير، لكن بحدة نصل السيف، لكن بالمقابل فإن تحدي المعادلة التي رسمها ايران يعني الحاجة للاستعداد لمخاطر حرب كبرى، وهذا فوق طاقة أميركا واسرائيل، ولم يكن واردا ولا مطروحا في حساباتهما، التي قامت خلال عقدي المواجهة الأخيرين، على معادلة أن إيران تعتمد استراتيجية الاحتواء لأنها لا تريد المواجهة، و إذ هي الآن تقول أن كل شيء قد تغير وان من يريد المنازلة عليه ادراك أن إيران لا تسعى إليها لكنها لا تخشاها، بل إنها قد اعدت لها عدتها.

- لم يعد هناك شيء اسمه تباين أميركي اسرائيلي تجاه مرحلة ما بعد الرد الايراني، بل تشابه في الشعور بالارتباك والتخبط، والسعي لبلورة مخرج لا يذهب إلى التحدي ولا يسلم بخسارة الردع، وحتى الآن يبدو هذا المخرج مجرد وهم، وقد كانت آخر ابتكاراته الحديث عن رد سيبراني ودبلوماسي، ثم العودة للحديث عن رد نوعي صادم وحاسم ، ثم الحديث عن أن القرار لم يتخذ بعد!

 

2024-04-16 | عدد القراءات 133