مفاجآت القرن ال21 : ملحمة فلسطين وأسطورة إيران
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- يبدو القتال الأميركي الاسرائيلي والغربي عموما لانكار صعود العملاق الإيراني وإبهار الملحمة الفلسطينية قتالا يائسا، حيث التجاهل مستحيل والتحرش قاتل، ولا يبدو غريبا أن ما بناه الفلسطينيون وما بنته إيران لبلوغ هذه اللحظة الفاصلة المفاجئة للغرب الجماعي قد تم بهدوء وثبات ومثابرة وإتقان، بحيث أن الاستخبارات الغربية بكل ما لديها من إمكانات وتطور فشلت في توقع طوفان الأقصى الذي تستمر مفاعيله منذ سبعة شهور، كحدث عالمي أول، ثم فشلت مرة ثانية بتوقع حجم ونوع ومستوى الرد الإيراني على الغارة الاسرائيلية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق، فمنحت إيران الفرصة والمشروعية لتقديم أكبر عرض حربي مبهر في القرن الواحد والعشرين.
- المعادلة هي فلسطين واسرائيل تتقابلان، وبالتوازي إيران وأميركا تتقابلان، القوة الصاعدة مقابل القوة الآفلة، القوة الشابة مقابل الشيخوخة، الأفعال الهادئة والثابتة، مقابل العنتريات والقوة الطائشة والعشوائية، اليقين والثقة والوضوح مقابل الارتباك والتعثر، الدقة والتخطيط وحسن توظيف القدرات وتحديد الأهداف، مقابل تبذير وترف وفوضى ومزاعم وغرور، الصدق والتواضع والأخلاق، مقابل الأكاذيب والتلفيق والفبركة والتعالي والعنصرية والاجرام، المراعاة والاحترام والتزام القواعد الشرعية والقانونية، مقابل الغطرسة والاستهتار والبلطجة.
- الفلسطينيون الذي نجحوا بامتلاك ما يكفي من السلاح لخوض غمار طوفانهم ومواصلة حرب مقاومتهم، نجحوا بانهاك وارباك جيش الكيان الذي صنف بين الجيوش العالمية الأولى، وصولا إلى افقاده ثقة مستوطنيه، وثقة حلفائه، وهم لتعويض نقص القدرات يستثمرون على دمهم، وقد صنعوا معادلة ملحمية تقوم على جعل لحمهم ودمهم ومساكنهم حجتهم على العالم الذي تحكمه شريعة الغاب، فيقدمون أكبر تحد ضميري للعالم بأن يبقى صامتا أمام هول الجريمة المتمادية بحق أطفالهم ونسائهم وشيوخهم، قتلا وتجويعا وتشريدا، وهم شهداء أحياء، جاهزون لبذل المزيد حتى يستيقظ العالم على فضيحته المدوية بحماية الكيان الاستيطاني العنصري المحتل والمغتصب لأرض لها شعب، وهم مستعدون للانتظار وتسديد كلفة الانتظار دما، بقدر ما يحتاج الاستيقاظ، بينما مقاومتهم قادرة على مواصلة القتال الى ما شاء الله، والمعادلة هي قتلتم ثلاثين ألفا في ستة شهور فسوف تحتاجون إلى أربعين عاما لقتل مليونين واربعماية ألف، نحن مستعدون فهل أنتم كذلك؟
- على الضفة الإيرانية أمة عريقة عاشت الإمبراطورية لقرون تملك موارد هائلة ومتعددة وشعبا شديد التعلق بكرامته القومية والدينية ومتعدد المواهب ونجح بتقديم العباقرة والمخترعين والعلماء خلال قرون طويلة، فكان علماء بلاد فارس في أيام النهضة الإسلامية هم رواد العلوم بكل فروعها، وجاءت الثورة الاسلامية لتمنح هذه الأمة فرصة اعادة بناء مكانتها في ظلال دولة مستقلة، نجح قادتها بقراءة معادلات الاستقلال والتنمية والدور، ونجحوا بفك ألغاز السياسية والاستراتيجية والحرب والتحالفات، فاختارت الاسلام هوية قومية جامعة اضافة لكونه عقيدة قائدة ومرجعية اخلاقية وثقافية، وبنت نظاما سياسيا جمع كل ما في انظمة العالم من خير بصورة مبهرة فألغى فرضية نشوء دولة عميقة عبر ربط الصلاحيات بالسلطات الحقيقية، واعتماد انتخاب مفتوح وانتخاب مشروط وانتخاب موصوف، ودمجت ما وفرته النظم الاقتصادية من ميزات تفاضلية بين الاقتصاد الحر والاقتصاد الموجه والاشتراكية والليبرالية مستنيرة بما قدمته التعاليم الإسلامية حول خزن المال وتداوله ونظام الربا وتمسكه بالعدالة، ووضعت قضبة فلسطين محورا لسياساتها الخارجية بصفتها قضية الحلق الأولى في العالم و قضية المسلمين الأولى وقضية المواجهة الأولى مع مشروع الهيمنة الأميركية، وجعلت امتلاك اعلى مراتب التقنيات وأكثرها تطورا في كل الميادين الصحية والعمرانية والصناعية والنووية والعسكرية هدفا يترجم الاستقلال ويحمي الاقتدار وحرية القرار.
- خلال أربعين عاما عايشت ايران مراحل الصعود الأميركي والغربي، سواء خلال الحرب الباردة، وخصوصا بعد نهايتها واعلان القطبية الأحادية وهيمنتها على العالم، ونجحت بتفادي المواجهة المباشرة والانصراف إلى برامج بناء القدرة، وتحويل الحصار إلى فرصة، لكنها لم تتردد في تقديم ما يلزم لتعزيز قدرات قوى المقاومة وكان النجاح الأبرز خلال العشرين الأولى فوز المقاومة في لبنان بمعركة تحرير جنوب لبنان، وفي العشرين الثانية واكبت إيران بحذاقة وذكاء الحروب التي استهدفت الاطباق عليها عبر العراق وأفغانستان وحولتها إلى فرص، وكانت الحصيلة نشوء مقاومة عراقية مقتدرة وانسحاب أميركي من أفغانستان، وادارت بشجاعة التعامل مع الحرب الأميركية على سورية وعبرها على قوى المقاومة وايران وروسيا، فانشأت جدار التحالف مع روسيا ثم مع الصين تحت عنوان حلف الدول المستقلة ومواجهة مشروع الهيمنة، وكانت حصيلة الحرب دفاعا عن سورية التقرب أكثر من فلسطين، وبعد الأربعين وعلى توقيت فلسطين والطوفان جاء التحرش الاسرائيلي بإيران عبر استهداف قنصليتها في دمشق ليقدم الفرصة التي تنتظرها إيران لإطلاق مفاجآتها الاستراتيجية، انتهى زمن الصبر، وبدأ زمن النصر.
- مخطئ و واهم من يقرأ التطورات على الشاشتين الفلسطينية والإيرانية، بصفتها أحداث يفسرها الفعل ورد الفعل الموازي، لأن فلسطين بدأت حرب الاستقلال، وإيران بدأت حرب التحرير، وسوف يتخبط الغرب كله وضمنه كيان الاحتلال وعلى رأسه أميركا بحثا عن مخارج تكتيكية من مأزق استراتيجية، وسوف يكتشفون انه زمن الأفول الذي لا فكاك منه.
2024-04-18 | عدد القراءات 175