الردع الإقليمي حسم لصالح إيران
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- لا تزال تداعيات المشهد الإمبراطوري الذي قدمته الجمهورية الإسلامية الايرانية في أجواء المنطقة وحبست معه أنفاس الحكام والقادة العسكريين والمواطنين، ليس على سماحة المنطقة وحسب، بل على مساحة العالم الذي بقي لاثنتي عشر ساعة يتابع هذه السجادة المضيئة المطرزة التي تحركت في سماء المنطقة باتقان وألوان وقدمت رسوما هندسية مبهرة امتدت من قم المقدسة الى القدس عاصمة العالم القديم والعالم الجديد، ولعل أهم سؤال في تقييم ما سمي بالرد الإسرائيلي، هو هل حجب الرد الإسرائيلي أضواء حدث 14 نيسان أم زادها اشعاعا؟
- التسابق على معادلات الردع بين أبرز لاعبين استراتيجيين في المنطقة، إيران وكيان الاحتلال، صار فجأة تسابقا بين إيران ومقابلها حلف يضم قرابة عشرين دولة تتقدمها أميركا وبريطانيا وفرنسا ومن ضمنها كيان الاحتلال، ولأن ما فعلته إيران كان أكبر من رد على الغارة التي استهدفت قنصليتها في دمشق كما قالت وزيرة خارجية ألمانيا، واستخدمت هذه الحقيقة في تبرير وقوف حكومتها مع كيان الاحتلال، فإن الحدث شكل سقفا لسلسلة أحداث سبقته ورافقته، و لأن ما فعلته إيران كان اكبر من "اسرائيل"، كما قال عاموس يادلين رئيس الموساد السابق، فقد تلقى من هم أكبر من الكيان الرسالة وفق معادلة دفعتهم يقولون لقادة الكيان أن عدم الرد سوف يمنحهم فرصة الزعم بأنهم انتصروا لأنهم أفشلوا الهجوم الإيراني، ومواصلة الإصرار على هذا الزعم ورواية إسقاط 99% من الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية، أفضل وأقل اذلالا من رد هزيل وصفه وزير الأمن في حكومة الكيان ايتمار بن غفير بالمسخرة.
- ادرك الغرب ان استرداد الردع يستدعي عملا عسكريا اعلى مرتبة مما فعلته إيران، التي يبدو أنها تعمدت الصعود الى هذه المرتبة من التحدي لقطع الطريق على أي محاولة لرد ينافسها على قدرة الردع في المنطقة، وقد تبلغ القادة الأميركيون العسكريون الرسالة القاسية، التي قدمتها الطائرات المسيرة البطيئة والمنتمية إلى أجيال سابقة من الصناعة الإيرانية، والتي بقيت مئتان منها لتسعة ساعات في الأجواء مانحة لمدرمات الحرب الإلكترونية الأميركية اختبار القدرة على اختراق أنظمة تشغيلها وشيفرة قيادتها، والنجاح بالاستيلاء على واحدة منها سليمة وجعلها تهبط من دون الحاجة لإسقاطها بصاروخ، ولكن دون جدوى، كما تبلغ القادة الاسرائيليون الرسالة القاسية الموازية التي تقول ان الصواريخ الموجهة نحو أهداف استراتيجية عسكرية في عمق الكيان سوف تنجح بالقيام بجولة جوية في سماء فلسطين المحتلة فوق الحرم الإبراهيمي في الخليل وفوق القدس ومسجدها الأقصى ويصفق لها الفلسطينيون ويزغردون، ثم تنعطف نحو أهدافها وتصيبها وتلحق بها أضرار جسيمة، دون أن تنجح كل القبب الحديدية والفولاذية والالكترونية والمقاليع الداودية بالتصدي لها.
- كما قال طوفان الأقصى أن قوة الردع الاسرائيلية بلا قيمة وأن قواعد الاشتباك وجدت ليتم اختراقها، وان المقاومة هي من يملك المبادرة الاستراتيجية وتفرض على الكيان اللهاث للحاق بمعادلاتها، وقالت جبهة لبنان شيئا مماثلا حول قوة الرد وقواعد الاشتباك، والإمساك بالمبادرة الاستراتيجية جاءت إيران لتتوج ذلك كله لكن على مستوى المنطقة وليس على مساحة جزء منها، ولأن في المنطقة لاعبين استراتيجيين يقوم كل منهما على السعي لإسقاط الآخر، هما ياران وكيان الاحتلال، بينما يراقب الآخرون موازين الردع بينهما لتحديد كيفية التموضع، فإن ما جرى قال انه كما كانت قدرة الردع الإقليمية لكيان الإحتلال لأكثر من نصف قرن، فإن قدرة ال\رع تنتقل الآن الى ضفة إيران، وأن زمنا جديدا يبدأ هو زمن ايران، وزمن قديم يترجل تمهيدا للأفول هو الزمن الإسرائيلي، يوما بعد يوم سوف ترسم إيران قواعد الاشتباك الجديدة، ومفهومها للمعركة بين حروب، وكما كانت سورية الجغرافيا التي تلقت المرحلة السابقة بكل تداعياتها السلبية، فإن سورية سوف تكون الجغرافيا التي تستقبل المرحلة الجديدة بكل نتائجها الإيجابية، والبوصلة دائما فلسطين.
- يتضح اليوم أن معادلة "اسرائيل اوهن من بيت العنكبوت" لم تكن رؤية ولا نبؤة بل استراتيجية وقرار.
2024-04-19 | عدد القراءات 172