المنطقة تدخل المنخفض الجوي الايراني
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- انتهت الجولة الحاسمة في المواجهة بين أمريكا وإيران، وكانت رهانات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، إن أميركا التي قالت انها لن تترك كيان الاحتلال وحده، يمكن ان تأتي الى حرب مع إيران وفق حساباته، وهنا نتحدث عن مواجهة مؤجلة بين أميركا وإيران منذ اربعين سنة، نجحت إيران في تفاديها في ذروة الصعود الأميركي، وعضت على جراحها في ظل العقوبات والحصار، لكنها حافظ على ثلاثة ثوابت، أولا استقلالها وبناء دولتها و مراكمة عناصر الاقتدار لها، وثانيا تماسك حلفها الإقليمي مع سورية سواء عبر تجاوز محاولات الفتن بينهما خصوصا في مرحلة مؤتمر مدريد ومشاريع الاحتواء الغربي العربي لسورية مع اتفاق الطائف في لبنان، أو عندما لنطلق المشروع الأميركي لتعميم الفوضى في المنطقة تحت عنوان الربيع العربي، وعينه على سورية، وكانت الحرب التي شنت عليها وشاركت فيها دول الغرب وغالبية الدول العربية، وجلب لأجل الفوز بها نصف مليون ارهابي من أنحاء الدنيا و تجندت لجلها تركيا وتنظيم الأخوان المسلمين، وثالث الثوابت كان موقف ايران من فلسطين وحركات المقاومة والمثابرة على دعمها، وكما نجحت إيران بتفادي المواجهة وفق توقيت الصعود الأمريكي، نجحت في مراكمة الإنجازات في محاور الثوابت الثلاثة.
- بنى نتنياهو حساباته على وهم الاعتقاد المزدوج، بأن أميركا لا تزال قادرة على خوض المواجهة، وأن إيران لا تزال في مرحلة تفادي المواجهة، ووقع في المفاجأة المزدوجة، أميركا ليست مستعدة للحرب، وتردك أن خسائرها الأكيدة أكبر من أرباحها الافتراضية المشكوك بتحقيقها، وهذه المفاجأة لنتنياهو لم تكن مواجهة لسواه، فقد كان كل شيء يقول إن أميركا كما قالت حربها في العراق وحربها في أفغانستان، أنها لم تعد تملك الحيوية الاجتماعية والتفوق العسكري اللازمين لخوض الحروب، وان قدرتها على تحمل بذل الدماء التي تمثل شرطا حاسما في القدرة على خوض الحروب، خصوصا عندما تكون مع قوى جاهزة لبذل الدماء، تواجه معضلة غير قابلة للحل، وجاءت الحرب على سورية و قالت إن اميركا لجأت إلى حرب موازية تخوضها الجماعات الإرهابية هي الطريق الوحيد لمنازلة قوى المقاومة التي تشكل سورية قاعدتها وتمثل إيران عمقها الاستراتيجي، ورغم ذلك لم تنته الحرب كما اشتهت أميركا، واذا كانت المفاجأة الأولى قد فاجأت نتنياهو وحده، لجهة عدم جهوزية أميركا لخوض المواجهة، فإن المفاجأة الثانية كانت له وللآخرين، ومضمونها أن إيران باتت جاهزة لهذه المواجهة.
- المفاجأة الأولى لجهة عدم الجهوزية الأميركية قالها الرد الإسرائيلي، الذي تم تحديده على قياس الجهوزية الأميركية، بينما تم قياس الرد الايراني الذي سبقه على قياس الجهوزية الايرانية، وعملية تظهير قدرات الردع لم تكن ايرانية اسرائيلية، بل ايرانية اميركية، وقد اختبرت أميركا خلال الرد الايراني كل العناصر اللازمة لمعرفة حدود قدرتها على استخدام القوة، وهي حشدت قواتها وحلفائها، لإفهام إيران حدود قدرتها على استخدام القوة، لكن النتائج خذلتها وقالت إن يد إيران هي العليا، فهمت أميركا حدود قدرتها على استخدام القوة، وكانت الاشارات البارزة التي توقف أمامها الأميركيون، أمام الابهار الإيراني في عرض القوة، الأولى تمكن إيران من رصد كل نقاط حركة القوات الاميركية وتحرك الطائرات الحربية من المتوسط الى الخليج والدول العربية، وتموضع شبكات الصواريخ على انواعها، وقد فرض عدد الطائرات الايرانية المسيرة ومعه عدد الصواريخ المتنوعة استنفار كامل الطاقة الأميركية والإسرائيلية وطاقات الحلفاء، بينما لم تستخدم ايران الا بعض لديها ولم يكن مكشوفا للمتابعة والرصد إلا بعض ما قررت كشفه، والثاني العجز عن الاستيلاء الالكتروني على الطائرات المسيرة والصواريخ، وقد حشدت لهذه المهمة مدمرتين متخصصتين بالتشويش الالكتروني، وكانت النتيجة فشلا ذريعا، رغم بقاء الطائرات الايرانية اهدافا متاحة لتسع ساعات متواصلة، والإشارة الثالثة هي ان ايران أرسلت عددا من الصواريخ المحددة والمحدودة المقرر ايصالها الى اهدافها داخل الكيان، وهذه الصواريخ وصلت الى اهدافها دون ان تتمكن كل الدفاعات الاميركية والاسرائيلية من التصدي لها، وقد شاهد الفلسطينيون والمستوطنون هذه الوصاريخ وهي تصول وتجول في سماء فلسطين وعبرت فوق الخليل والقدس والقت التحية على المسجد الأقصى، وكانت تلاحقها الصواريخ الاسرائيلية من القباب المختلفة وطائرات سلاح الجو الاسرائيلية الأميركية الصنع من طرازات اف 15 واف 16 واف 18 واف 35 دون جدوى، واظهرت صور الاقمار النصاعية حجم الأضرار التي لحقت بالمنشآت المستهدفة، خصوصا المطارات الحربية في النقب.
- المنازلة تمت، واختبار العقول والإرادات والتقنيات انتهى، والنتيجة لصالح إيران واحد صفر، والصفر لأميركا، و لكيان الاحتلال ضمنا، وهذه النتيجة نهائية لأن لا جولة لاحقة بعدها، ووفقا لنتائج هذه الجولة سوف يكتب الكثير في المنطقة، خصوصا في الملفات العالقة التي كانت تنتظر ترسيم حدود القوة بين اميركا وايران، وقد رسمت، وأول الملفات حرب غزة التي فشلت محاولة نتنياهو بالهروب منها نحو مواجهة ايرانية أميركية، وعليه الآن العودة الى تحدياتها بين متابعة حرب يجني منها المزيد من الفشل، او الرضوخ لشروط المقاومة وتحمل تجرع المذلة، وعبر هذه الحرب ومن حولها مشهد المنطقة، مصير التطبيع السعودي الاسرائيلي، ومصير التموضع التركي.
- المنطقة تخرج من منطقة الضغط الجوي الإسرائيلي المرتفع، وتدخل الى منطقة المنخفض الجوي الايراني، وجوهر هذا الانتقال يقوم على تفوق حائك السجاد على لاعب البوكر في معادلة الصبر والاتقان والمثابرة، وتفوق السجادة العجمية على الموكيت الأميركي.
2024-04-21 | عدد القراءات 146