هل أنضجت المقاومة معادلة مزارع شبعا مقابل رفح؟
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- لا يستطيع أحد أن يزعم معرفة ماذا يدور في عقل المقاومة، وما هي خططها، فالمقاومة لا تتحدث وتترك الميدان يتحدث، ولا تعطي سرا لأحد عن خططها وتعتمد الغموض البناء الذي يترك للأصدقاء أن يبنوا عليه ما يفيد تحت سقف حماية خيار المقاومة وأسرارها، وتترك للخصوم والعدو أن يستنتجوا وأن يقعوا غالبا في خطأ حساباتهم، ومن يراقب مسار أداء المقاومة في هذه الحرب يستطيع أن يجزم أن أحدا لم يكن يملك المعلومات التي تخوله الحديث عن أي شيء بالمطلق قبل وقوعه.
- القراءة لما بعد وقوع الحدث ربما تسمح أحيانا برسم خط بياني افتراضي ينتهي بمن يقرأ إلى استنتاجات على قدر من المنطق والعقلانية، لكنها قد تصيب وقد لا تصيب، ومن هذه الاستنتاجات أن المقاومة تدير بكفاءة عالية سيطرتها على زمام المبادرة في جبهة شديدة التعقيد، وأن المقاومة نجحت لأكثر من مئتي يوم بمنع الاحتلال من انتزاع المبادرة منها لأكثر من ساعات خلال عمليات تكتيكية كبرى قام بها، مثل اغتيال الشيخ صالح العاروري في الضاحية الجنوبية، قبل أن تتمكن المقاومة من تسديد ضربة قاسية لموقع ميرون الخطير في حرب الاستخبارات وإدارة العمليات الجوية، الى حد ان عدد من ضباط جيش الاحتلال من القياديين السابقين ربطوا بين فعالية الضربة والفشل الذي ظهر في تعامل جيش الاحتلال مع الرد الايراني الرادع، وكان جويا بامتياز عبر الصواريخ والطائرات المسيرة.
- القراءة لما بعد وقوع الحدث تقول أن هذه المقاومة تقاتل منذ مئتي يوم كجيش نظامي في مواجهة أعتى جيش نظامي في المنطقة، وها هي تتفوق استراتيجيا وتكتيكيا الى أن كيان الاحتلال لا يترك وسيطا ولا وساطة إلا ويحاول عبرهما تهدئة هذه الجبهة واسترضاء المقاومة كي تتخلى عن شرط الربط بين جبهتها وجبهة غزة، ويكفي للتيقن من ذلك النظر الى ما قدمه رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو في مقترحات عرضها للوساطة الفرنسية التي خجل الفرنسيون من الظهور ساذجين إذا قدموها بعد أن لمسوا تماسك المقاومة والحكومة عند شرط الربط بين التهدئة على جبهة لبنان وجيهة غزة، متخليا عن شرط المطالبة بسحب وحدات الرضوان من الحدود الى عمق بضعة كيلومترات او الى ما وراء الليطاني، وصولا للتسليم بما يعني إسقاط ما كانت حكومات الاحتلال تتغنى به باعتباره مكتسبات القرار 1701، أي التوقف عن المطالبة بحصرية سلاح الدولة اللبنانية في الجنوب واعتبار تواجد المقاومة وسلاحها انتهاكا للقرار، والقول نقبل المقاومة وسلاحها الثقيل والخفيف لكن أوقفوا الحرب.
- معلوم لدى المقاومة كما لكل متابع أن القبول بشروط المقاومة في غزة يعني بنظر قادة الكيان هزيمة استراتيجية، ولولا ذلك لكان أهون السبل لديه للتخلص من أعباء جبهة كجبهة لبنان، وتعقيدات جبهة مثل تحدي الردع الأميركي في البحر الأحمر من اليمنيين، هو الذهاب الى انهاء الحرب على غزة، وهو يبحث عن حلول منفردة لجبهات الإسناد ولو اضطر لتقديم تنازلات لاعتقادة بخطورة القبول بشروط المقاومة في غزة على مستقبل الكيان ومعادلات القوة التي تحيط بوجوده، واذا توقفنا اما كلام نتنياهو وسائر قادة الكيان، سوف نجد أن الهدف من طلبات تهدئة جبهات الإسناد والاستعداد لدفع أثمان باهظة للحصول على هذه التهدئة، هو التفرغ للتصعيد على جبهة غزة، وبالتحديد خوض معركة رفح، التي يعتقد قادة الكيان انها سوف تشكل اخلالا نوعيا بموازين القوة مع المقاومة.
- بمعزل عن تقييم تقديرات حكومة الكيان وجيش الاحتلال لمعركة رفح وحجم التمنيات التي تصبح توقعات ترتبط بخوضها، لا يمكن رؤية العطاءات المالية السخية التي قدمتها واشنطن وسوف تصل بصيغة اسلحة وذخائر الى كيان الاحتلال، إلا بمثابة تأييد أو عدم ممانعة بخوض هذه الحلقة الخطيرة من الحرب، والمقاومة التي رفضت التهدئة على جبهة الجنوب وتربط التهدئة بجبهة غزة، قد فكرت بالتأكيد بأن الموضوع هو معركة رفح وخططت كيفية تعاملها مع هذا التطور في حال حدوثه، ومع ثقتها بقدرة قوى المقاومة فهي بالتأكيد عندما تخطط تفعل ذلك بناء على أسوأ الاحتمالات، وأسوأ الاحتمالات هنا هو نجاح جيش الاحتلال باسقاط رفح، ول ان المقاومة سوف تستمر بعد ذلك كما استمرت بعد احتلال شمال غزة واحتلال خان يونس، فماذا سوف تفعل المقاومة من جنوب لبنان؟
- المقاومة ملتزمة بما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لجهة أن كل الاحتمالات مفتوحة وكل الخيارات مطروحة، مع أولوية الربح بالنقاط والرهان على عامل الوقت، وان تقدير الاحتمالات المفتوحة يتم بناء على عاملين، اولا مراقبة سلوك الاحتلال تجاه المدنيين، وهكذا رسمت المقاومة معادلة استهداف بعلبك يقابله استهداف ثكنات جيش الاحتلال و مرابض مدفعيته ومقراته القيادية في الجولان السوري المحتل، وثانيا مراقبة الوضع في غزة تحت عنوان ممنوع هزيمة المقاومة، وطبيعي أن تقارب المقاومة جوابها على سؤال ماذا ستفعل من جبهة الجنوب على هذه المعادلة.
- لأن المقاومة شجاعة وملتزمة بمعادلاتها فهي حكما تملك جوابا عن شيء نوعي يعادل عملية رفح، ولأن المقاومة عاقلة وحكيمة فهي طبعا لا تريد لما تخططه ان يفجر حربا كبرى لا تريدها، لذلك من المنطقي هنا التوقف أمام ما يتسرب عن مناقشات تدور في مناخ جيش الاحتلال وتقول إنه يخشى أن يكون هذا التركيز الناري من جانب المقاومة على مواقع الاحتلال في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، بنية تدميرها، نوع من تهيئة الأرضية لعمل عسكري بري تقوم به المقاومة لتحرير المزارع، وهي أرض لبنانية لا يستطيع أحد مجادلة المقاومة في شرعية فعلها التحريري، لا في لبنان ولا خارج لبنان، ولا يستطيع الاحتلال اتخاذها بالتالي ذريعة توسيع نطاق الحرب لأنه يبحث عن المشروعية، وهو في وضع سيء على هذا الصعيد.
- من الزاوية المنطقية خشية جيش الاحتلال اذا كان الكلام المنقول صحيحا، لا يمكن القول أنها في غير مكانها، ويبقى العلم عند الله.
2024-04-28 | عدد القراءات 108