نقاط على الحروف 30/4/2024

اميركا والكيان: فقدان فائض القوة والقيمة المضافة

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- تقوم الدول على ركيزتين، الأولى ما لديها من فائض قوة يمثله موقعها الاقتصادي والمالي وما لديها من ثروات وتأثير في اقتصادات الآخرين وما لديها من جيوش وقوة مسلحة وقدرة على شن الحروب او مواجهة أخطارها، بالاضافة لما تقدمه لها وضعيتها الجغرافية من ثروات طبيعية ومن موقع استراتيجي تصبح عناصر ترجيح لمن لديه فائض قوة اقتصادي وعسكري وتصبح عبئا على الأضعف فيهما، والثانية ما لديها من قيمة مضافة تتمثل بمنظومة قيم تؤمن بها الدولة وتعمل على أساها وتخلص للحفاظ على مصداقيتها تجاهها، فتوسع نفوذها وتزيد تأثيرها وتحوز الاحترام من خلالها، وتشكل سببا لاقتناع شعبها بمشروعية الحروب التي تدعوهم لخوضها هجوما أو دفاعا وتحمل التضحيات التي تتسبب بها، بينما تسبب ارتباك جبهات العداء الذين يدخلون حالة حرب ضدها، والدول التي تحمل قيمة مضافة عالية تستثمر أحيانا على مظلوميتها عندما لا تمتلك فائض قوة كاف لانتصارها في الحروب.

- عندما نتحدث عن أميركا فنحن نتحدث عن دولة كانت تملك قبل ثلاثة عقود عندما انتهت الحرب الباردة، أعلى فائض قوة اقتصادي وعسكري في العالم، حيث كانت تحتل المرتبة الأولى على هذين الصعيدين، بحيث أصبحت القطب الأوحد الذي يدير العالم بلا منازع، أما على صعيد القيمة المضافة فقد كانت أميركا تخرج للتو من منازلة مع الاتحاد السوفيتي انتهت بتفككه انهيار نموذجه الأهم في روسيا، والفوز على الاتحاد السوفيتي لا يمكن فصله عن تفوق القيمة المضافة التي تفوقت عبرها أميركا ونموذجها الليبرالي اقتصاديا في حل مشكلات الغذاء والرفاهية ونظام حوافز الربح والمبادرة الفردية، بينما تفوق قيم الحرية وتداول السلطة ونظام الانتخابات والحريات الشخصية والدينية والإعلامية وتعددية مراكزها، أمام نموذج مغلق اقتصاديا وسياسيا يصادر الكثير من الحريات ويمسك بالاقتصاد بطريقة شديدة المركزية وتتحكم بالسلطة فيه نخبة مغلقة، لكنه يفشل في توفير مقومات الحياة العادية الاستهلاكية لمواطنيه.

- عندما نتحدث عن كيان الاحتلال مع نهاية الحرب الباردة نتحدث ايضا عن القوة الأهم في منطقة أفرو آسيا، قادرة على التدخل وخوض الحروب وتقديم الحماية على مساحة القارتين، على خلفية تفوق اقتصادي ونمو تقني متسارع، ونتحدث عن صورة بعيون الغرب على الأقل، لدولة ديمقراطية وسط بيئة عربية إسلامية متخلفة ومتوحشة، ودولة قادرة على بيع الأمن كسلعة مطلوبة لدى جيرانها ممن يفترض انهم اعداء يخشون على انظمتهم مع جار جديد هو إيران، ومؤهلة لتشكيل العمود الفقري لنظام اقليمي سياسي امني اقتصادي، لتمثل القوة الصاعدة في الشرق بعيون الغرب شعوبا وحكومات.

- من دون الحاجة إلى تحليل، تقول الأرقام بلغة اليوم أن أمريكا فقدت مكانتها العسكرية الأولى لصالح روسيا ومكانتها الاقتصادية الأولى لصالح الصين، ولم يعد هناك نموذج سوفيتي أمامها لتقارن به أو لتضع محور السياسة الدولية في منافسته، فقد ساد نموذجها في الدول التي كانت عدو الأمس، وأولهم روسيا، مع فارق أن الدولتين الصاعدتين تحملان مشاريع لأدوار عالمية مستمدة من دمج هوية قومية بالهوية الدينية بالتاريخ الإمبراطوري، وقد انضمت إليهما ايران لاحقا بذات المعايير، وهي دول تحمل قيمة مضافة تتصل بالدعوة لعالم أكثر توازنا عبر رفض القطبية الأحادية، التي قامت على فرضية تعميم نموذج عالمي واحد يلغي التنوع هو النموذج الأميركي، وعندما حاولت أميركا تعويض خسارتها لقيم الديمقراطية والحريات كعناوين جاذبة أخفقت في الحفاظ عليها، استعانت بمحاربة الارهاب بديلا، لكنها اخفقت مجددا عندما ضبطت مرار وهي تفتح للإرهاب الباب الخلفي وتتحدث عن الحاجة للنوم مع الشيطان بحكم المصالح.

- بينما يرى العالم اليوم أميركا الهاربة من حرب أفغانستان للعجز عن تحمل بذل الدماء وتلاه التهرب من منازلة روسيا في حرب أوكرانيا، ومنازلة إيران بحمل تبعات رد كيان الاحتلال على الرد الايراني، وتتعايش مع نزيف هيبتها في البحر الأحمر أمام أنصار الله لأنها تتهرب من بذل الدماء، يسقط الحديث عن فائض القوة العسكري، عندما تتراجع نسبة مساهمة الاقتصاد الأميركي في الاقتصادي العالمي قرابة النصف، وتفقد أميركا صفة الشريك التجاري الأول لأكثر من نصف سكان الكرة الأرضية لصالح الصين التي كانت شريكا أول للنصف الثاني و صارت شريكا أول لكل بلد في العالم بلا منازع، وعندما يتراجع موقع الدولار كعملة تداول حصرية ويخسر قرابة نصف علميات البيع والشراء عبر العالم، وتتحدث التقارير الأميركية عن أزمات ركود وتراجع في النمو واقفال شركات و مخاطر إفلاس أخرى، تفقد أميركا فائض القوة الاقتصادي، وعندما يرى العالم كيف تصمت أميركا عن جرائم الابادة التي يشنها كيان الاحتلال بحق الفلسطينيين وتوفر له السلاح والحماية القانونية والدبلوماسية، ويرى كيف يقمع الطلاب ويسحل الأساتذة الذين يحتجون على أبشع حروب القرن، تسقط اي قيمة مضافة يمكن لأميركا التباهي بحمايتها.

- عندما يرى العالم ما جرى في طوفان الأقصى وما يجري من ملحمة عسكرية للمقاومة في غزة ومن امساك بالمبادرة بوجه جيش الاحتلال لسبعة شهور على بجهة لبنان، وهذا التفوق الاستراتيجي لإيران، يفقد كيان الاحتلال فائض قوته العسكري، ويصبح جيشه جيشا قاتلا لا جيشا مقاتلا، بتفوقه في قتل النساء والأطفال، وتكفي رؤية تأثير مشاهد ووقائع حرب غزة وعمليات الإجرام المفتوح على الهواء فيها، على الرأي العام في كل الغرب ومنه اميركا والتظاهرات الحاشدة المنددة تشق الشوارع كل يوم، يسقط اي حديث عن قيمة مضافة يمتلكها الكيان.

- وفقا لسنن التاريخ تسير العظمة الأميركية والجبروت الاسرائيلي نحو الأفول، ولذلك يتصرف قادة الحكومتين بهيستيريا الذئب الجريح، وما نحن فيه هي اللحظات القاسية من مخاض عالمي كبير لا يحتاج الا الصمود والصبر الذي تظهره الأم في ساعات الولادة وبعضا من شجاعتها.

 

2024-04-29 | عدد القراءات 108