قانون حرب غزة في رفح وغزة
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- لا يمكن لأحد تخيل الحاجة لأكثر من سبعة شهور كي تظهر الحرب قانون حركتها، وهذا العدد من الشهور في حرب في القرن الواحد والعشرين كاف لانهائها، وان استمرت فهي تستمر وقد كتبت قانون استمرارها، وحرب غزة التي تدور على مساحة 360 كيلومتر مربع وقد خسر شعبها 5% من قوامه وفقدت عمرانيا 75% من مساكنها وبناها التحتية، لم يبق شيء يمكن تهديدها بخسارته والرهان على أنه سيدفعها لرفع الراية البيضاء، ويكفي للدلالة على ما نقول تخيل أن اميركا قصفت بصواريخ نووية، فهل نتخيل انها سوف تبقى نقاتل وقد بلغ عدد الجرحى و القتلى فيها 20 مليونا، ولم تبق فيها مدن ولا بنى خدمات ولا مستشفيات ولا مساكن؟
- قانون حرب غزة كتبته المقاومة وشعبها، وتحكمه ثنائية اولى قوامها، أن الشعب قرر الصمود حتى النصر أو الشهادة، ودونهما لن يرفع راية بيضاء ولن يستجيب أمام إغراءات و ضغوط التهجير، وأن المقاومة التي تمثل بقياداتها ومقاتليها بيئة الشهداء، وقد خسر كل من فيها عائلته او بعضا غاليا منها، لن توقف القتال حتى تحقيق الأهداف، ولن تساوم على هذه الأهداف، ولا شيء يستحق بعد هذه التضحيات، من إغراءات أو ضغوط للتنازل بسببه، وما يتوهم البعض أنه عناصر ضغط او ترهيب يغري او يخيف قيادات المقاومة، لا يعادل نعل أب او ام او ابن او ابنة او زوج او زوجة سقطوا شهداء في هذه الحرب وصارت دماؤهم دينا في رقاب القادة.
- قانون حرب غزة تصنعه مقارنة وضع جيش الاحتلال ووضع المقاومة، بين الشهر الأول للحرب والشهر الثامن منها، وبينهما ستة شهور كافية لتظهر الخط البياني لسير الحرب وتأثيراتها، وقبل هذه المقارنة ثمة سؤال للذين يقولون إن رفح هي المعركة الفاصلة، وأنها غرفة العمليات وأنها الإمكانات والمقدرات والقيادات، والسؤال هو ما دام الأمر كذلك فلماذا لم يبدأ بها جيش الاحتلال، ويصعد منها شمالا، وقد كان في أول أيام الحرب بكامل العدة والعتاد والمعنويات وأعلى مستويات التأييد الداخلي والخارجي، أم أن الأصح هو أن الاحتلال كان يقول ان مدينة غزة هي كل شيء ولما لم ينجح بعد دخولها بالتحدث عن النصر قال مجمع الشفاء ثم قال خان يونس والآن يقول رفح؟
- في المقارنة بين الشهر الأول والشهر الثامن بالنسبة لجيش الاحتلال، يجب الانتباه أننا نتحدث عن جيش مندفع بمعنويات عالية وغضب وسخط مجروح الكرامة يريد الانتقام، وعن بيئة اجتماعية محيطة تساند الحرب بنسبة 94% وفق استطلاعات الرأي في 8 أكتوبر، ووحدة سياسية وراء الحكومة رغم التباينات الموروثة تحت شعار أولوية الحرب، ومساندة غربية غير محدودة معنويا وماديا، وقدرة على التصرف بمخزون ناري، وأولوية نخبة بكفاءة عالية، بينما اليوم ونحن في الشهر الثامن من الحرب، فنحن نتحدث عن جيش منهك متهالك، لم يبق فيه لواء او كتيبة لم يتعرض قوامهما البشري لخسائر تم تعويضا بصورة غير احترافية من الاحتياط دون مناورات وتدريبات تضمن اعادة توالفها كوحدة قتالية منسجمة، ونتحدث عن انهيار في المعنويات يترجمه الفرار والتمرد، وبيئة اجتماعية ناقمة على الحرب يقول 54% منها أن اولويته إطلاق الأسرى ولو بوقف الحرب، بينما فقط 38% يؤيدون استمرار منح الأولوية للحرب، وشارع غاضب يتظاهر كل يوم، و انقسام سياسي حاد واستقالات متلاحقة في نسق القيادة العسكرية، والسؤال الطبيعي هو هل يملك الذين يبقون فرضية نجاح هذا الجيش في الشهر الثامن في تحقيق ما عجز عنه في الشهر الأول، أي سبب لترجيح هذا الاستنتاج، غير المخاوف أو التمنيات، التي تمثل أسوأ المحركات لفهم الحروب، واذا أردنا رقما يختصر الحالة، فلننظر الى خسائر الأيام الأولى من الشهر الأول في جيش الاحتلال وخسائر الأيام الأولى من الشهر الثامن فنعلم عن الفارق بين الحالتين بالنسبة للجيش نفسه.
- في المقارنة بين الشهر الأول والشهر الثامن بالنسبة للمقاومة، فنحن نتحدث عن مقاومة مستعدة للقتال لكنها لم تتأقلم بعد مع معطيات مواجهة غزو بري تواجهه للمرة الأولى، وبالتأكيد في الشهر الأول لم يكن ببال أحد أن يبلغ الشهر الثامن من الحرب، وفي الشهر الأول المقاومة قلقة من أن تؤدي خططها الدفاعية لمنع تقدم جيش الاحتلال الى التدمير والقتل والتهجير، فاختارت القتال كمقاومة بعد احتلال غزة، لتعفي شعبها من الأثمان الباهظة، والمقاومة الواثقة بالنصر لم تكن واثقة بالمعنى التفصيلي من حجم ما تستطيع فعله بالاحتلال خلال شهور القتال، والمقاومة الواثقة ايضا من التزام محور المقاومة لم تكن واثقة من قدرته على بلوغ المراحل التي بلغها، سواء بالنسبة لما حققته جبهة اليمن او جبهة لبنان، وما فعلته وما تستعد لفعله جبهات العراق وسواها مع دخول المقاومة في البحرين على خط الإسناد، وبالتأكيد لم يكن في حساب المقاومة هذه المساندة التي جاءتها من الشارع الغربي، سواء ما تشهده الجامعات، أو المقاطعة الاقتصادية وضغطها على الشركات الكبرى، أو الانتصارات السياسية والمعنوية التي حققتها القضية الفلسطينية في مجال حرب الرواية والسردية، وعلى الصعيد الدبلوماسي، وعلى مستوى سقوف الحلول للقضية وتصدر الدعوة لزوال كيان الاحتلال وفلسطين حرة من البحر الى النهر، في مقاربة الشباب الأميركي للصراع مع الاحتلال، لكن المقاومة تدخل الشهر الثامن من الحرب وكل ما كان تنميات قد تحقق وصار واقعا ومصدر قوة ، وكل ما كان مخاوفا تريد تجنبها، وقد وقع كالتدمير والقتل والتهجير والتجويع، وقد وقع ولم يعد هناك ما يجب الخشية من خسارته، ما زادها قوة، وهي تقاتل في شهرها الثامن بكل أريحية وقد تأقلمت وامتلكت خبرات هائلة بما يجدي وكيف وأين ومتى، ولذلك نشهد كثافة عملياتها وايقاعها ومهاراتها ونتائجها، أضعاف ما كان في الشهر الأول، وبينما هي تملك فائضا لاينضب من الذخائر التي تحتاجها طبيعة قتالها، يعاني الاحتلال وسنده في الغرب شحا في موارد الذخائر التي يحتاجها الاحتلال في حربه.
- قانون الحرب في غزة، معادلة بسيطة، من فشل سوف يفشل أكثر، ومن انتصر سوف ينتصر أكثر.
2024-05-13 | عدد القراءات 161