نقاط على الحروف 17/5/2024

 

 

 

 

 

 

الآن بدأت حرب الاستنزاف

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- تمثل العمليات التي تنفذها المقاومة في غزة وعبر حدود لبنان، وما تستعد له المقاومة اليمنية والمقاومة العراقية بالتوازي أضعاف ما كانت عليه العمليات في الشهر الأول من الحرب التي شنها جيش الاحتلال على غزة بعد طوفان الأقصى، سواء من حيث عدد العمليات، أو من حيث نوعيتها وحجم الخسائر التي تتسبب بها لجيش الإحتلال، هذا في حين يفترض على الأقل بالنسبة لغزة ان يكون منسوب العمليات إلى تراجع، وفق التقديرات التي تقول بتراجع حجم قوة المقاومة ومقدراتها، لتقول هذه العمليات أن المقاومة لا تزال بألف خير وأنها لم تفقد ما يقام له الحساب، وأنها لم تكن تستخدم كامل ما تستطيع فعله، وهي الآن تبدأ حرب الاستنزاف التي قيل إنها بدأت منذ الطوفان.

- تتناسب قوة عمليات المقاومة ونوعيتها و يتناسب حجمها، مع تراجع قدرة جيش الاحتلال القتالية، سواء في تماسك هياكل وحداته المرممة، أو في روحه القتالية، او التخبط الذي يطغى على تكتيكاته القتالية بعدما فشلت حملته الأولى في الشمال والوسط وخان يونس، وكما يظهر من معارك رفح فإن الأوهام التي زرعها قادة الكيان حول المفعول السحري لهذه المعارك في حسم الحرب تتبدد مع ما يقوله الميدان، و بمقدار ما يبدو انتقال المقاومة الآن إلى بدء حرب الاستنزاف خيارا عسكريا حكيما بالتزامن مع تراجع القدرات القتالية لجيش الاحتلال، فإن أسبابا إضافية كانت حاضرة في توقيت هذا الانتقال.

- تبدو المقاومة أكثر اطمئنانا الى عجز الاحتلال عن الذهاب بفعل خسائره في حرب الاستنزاف الى خيار الحرب الكبرى، وهو ما كانت تقوم بمراعاته بطبيعة عملياتها، خصوصا قبل الرد الايراني الرادع، الذي أظهر الانكفاء الأميركي العسكري عن خيار الرد على الرد وامساكه بيد الاحتلال لمنعه من فعل ذلك، لتضيع بذلك اخر فرص الذهاب الى الحرب الكبرى، فتطلق يد المقاومة في حرب الاستنزاف دون الحذر من خيار الحرب الكبرى، التي لا تريدها ولو كانت لا تخشاها، كما تبدو المقاومة، خصوصا في غزة، وقد تحررت من مسؤولية مراعاة تضحيات شعبها العالية والمؤلمة، بينما يبادلها هذا الشعب صمودا اسطوريا وملحميا، فكانت المقاومة تحاول بضرباتها المحسوبة أن لا تتحمل وزر أعمال التدمير والقتل والإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال، ولذلك وضعت لعملياتها هدفا هو اثبات لا جدوى الخيار العسكري لجيش الاحتلال، سواء في وهم القضاء على المقاومة، أو في وهم تحرير الأسرى، وتختبر مدى كفاية هذا الاثبات علميا لجلب الاحتلال الى طاولة التفاوض للتسليم بشروطها.

- حدث القتل والتدمير في ظل العمليات المدروسة للمقاومة، تحت سقف إسقاط الخيار العسكري للاحتلال سواء في القضاء على المقاومة او في تحرير الاسرى، لكن الاحتلال لم يأت الى التفاوض وفق شروط المقاومة، بل إن المقاومة نجحت في التحرر من مسؤولية الاحتكام إلى الخيار العسكري مجددا، عبر موافقتها على عرض تفاوضي قدمه الوسطاء وقبلت به، ورفضه الاحتلال، وهي لم تعد مدينة للوسطاء بإثبات حسن نية وإظهار سعي جدي لانجاح التفاوض، ولو أنها لم تلق أي ثناء ولم تسمع كلمة ادانة للاحتلال تحمله مسؤولية اضاعة الفرصة، بل ان التجربة التي اظهرت للمقاومة محدودية قدرة الوسطاء على فعل شيء دون الأميركي، ومحدودية ما يرغب الأميركي بفعله دون القبول الاسرائيلي، أظهرت أيضا محدودية قدرة ملف الأسرى على جلب الاحتلال الى التفاوض بشروط مرضية للمقاومة، رغم اهمية الحراك الذي يشهده الشارع في الكيان واهمية الانقسامات التي يثيرها ملف الأسرى بوجه حكومة بنيامين نتنياهو.

- صارت المقاومة حرة من أعباء إثبات حسن النية، وحرة من أي مسؤولية عن الاحتكام للخيار العسكري، وحرة من القلق من احتمال التدحرج الى حرب كبرى، واذ بالاحتلال يقرر الذهاب إلى معركة رفح، التي يرفضها الكثير من الداخل السياسي والعسكري في الكيان، والكثير من الخارج، بما فيه الأميركي ولو كلاميا، ما يجعل كل عمليات المقاومة مهما بلغت ضراوتها ردا دفاعيا مشروعا على من يصر على الاحتكام للخيار العسكري، وقد روج لأوهام القدرة على تحقيق ما لم يتحقق من أهدافه بخوض معركة رفح.

- ثبت أن الاحتلال لن يأتي للتفاوض بشروط مقبولة من المقاومة نتيجة لدور الوسطاء، طالما أن الأميركي عراب الوساطة لن يذهب بعيدا في الدفاع عن أي عرض للاتفاق إلا بمقدار ما يرضى به الاحتلال، كما ثبت أن ملف الأسرى مهما بلغت مخاطر قتلهم أعلى من احتمالات الإفراج عنهم، لن يجلب حكومة الاحتلال للتفاوض الجدي، والاحتلال مهما كانت خسائره العسكرية لم يعد يجرؤ على المخاطرة بالتفكير بالحرب الكبرى وحده، والأميركي حسم أمره خارجها، والشعب المؤيد للمقاومة رأى حرصها على التوصل لاتفاق، ورأى أنها تذهب للخيار العسكري من موقع الدفاع، فهذا يعني أنه الوقت المناسب لحرب الاستنزاف، أي جعل الاحتلال ينزف اكثر بجنوده وضباطه، ويخسر أكبر نسبة من آلياته وعتاده، وقد صار هذا هو الطريق الوحيد لإعادته الى التفاوض بشروط المقاومة.

- يبدو دفتر شروط المقاومة للعمليات على جبهتي جنوب فلسطين وشمالها، حصاد مئة إصابة يوميا في صفوف الضباط والجنود بين قتيل وجريح، وتدمير وإعطاب 50 آلية كل يوم، حتى يصرخ الاحتلال طلبا للتفاوض او تلحق به هزيمة تفرض تداعيات سياسية داخل الكيان، توصل إلى التفاوض بشروط المقاومة تحت شعار الأولوية لوقف الحرب واستعادة الأسرى.

 

2024-05-17 | عدد القراءات 113