زيارة بيرنز: قمحة أم شعيرة؟
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- الحديث عن العودة إلى التفاوض من جانب كيان الاحتلال، ترافق هذه المرة مع عدد من المؤشرات كان أبرزها، من جهة تصاعد الانقسام السياسي داخل مجلس الحرب واحتمال أن يكون مبينا على تصديع جبهة الأكثرية التي تستند عليها حكومة بنيامين نتنياهو، في ضوء المهلة التي حددها بني غانتس وحديثه عن استعداده لتشكيل حكومة بديلة، ومحور حركة غانتس دعوة لبذل جهود أكثر جدية للتوصل الى اتفاق ينهي قضية الأسرى وهو ما يتلاقى مع السعي الأميركي الذي ترجمته ورقة وليم بيرنز التي قبلتها حركة حماس ورفضها نتنياهو وغانتس معا، لكن غانتس وصفها لاحقا بـ المتوازنة والتي يمكن تطويرها، ومن جهة مقابلة ضغط الجيش لبلورة سقف سياسي للعملية التي تتآكل وتبدو مسقوفة بالفشل، في ضوء ما تشهده جبهات رفح وجباليا وبيت حانون، والسقف السياسي يبدأ بصفقة تنهي ملف الأسرى وتنتهي برؤية واضحة لشروط وقف الحرب، على قواعد ليس بينها ما يطرحه نتنياهو ويرفضه الجيش، من احتلال دائم لغزة وإدارتها مباشرة من الجيش، ومن جهة ثالثة حراك دولي غربي بشكل خاص لفك التنسيق مع حكومة الكيان في كيفية مقاربة قضايا الحل السياسي ومنها موضوع الدولة الفلسطينية التي بدأت تتسع دائرة الاعتراف بها بالتزامن مع مؤشرات على تحرك مؤسسات القضاء الدولي وفق ذات القاعدة، التحرر من مراعاة الحسابات الاسرائيلية التي كانت تحكم التعامل سابقا، والاتجاه لمراعاة متطلبات الشارع الغربي الذاهب بعيدا في طلب ادانة حكومة الاحتلال وجيشها.
- نتنياهو لم يقتنع بعد بأن عليه الاستعداد لخيار وقف الحرب، رغم خسارة الأغلبية المؤيدة لاستمرار الحرب في الرأي العام، وانقلاب المؤشر الى 54% مع اولوية تحرير الأسرى و38% فقط مع اولوية مواصلة الحرب، وهو يراهن على احتواء الحركة السياسية المعارضة وضغط الجيش والحراك الخارجي السياسي والقضائي، عبر إبداء الرغبة بالتوصل إلى صفقة، من خلال الحديث عن اطلاق يد الوفد المفاوض من جهة، وعن خطة جديدة للتفاوض تتضمن ورقة عمل مختلفة تتضمن تعديلات على الموقف الحكومي، سواء فيما يتصل بتواجد قوات الاحتلال في منطقة نتساريم وسط غزة وتحكمها بعودة النازحين، أو في ملف المساعدات الانسانية وفتح المعابر، أو في ملف التبادل، ويأتي بيرنز مجددا بتحويل هذه الخطة الاسرائيلية الجديدة الى نقطة انطلاق جديدة للمسار التفاوضي المعطل، فهل يجب أن تعني هذه الزيارة تفاؤلا بالتوصل إلى اتفاق مجددا، أم أن الفشل يبدو مرجحا مرة أخرى؟
- القضية المحورية في التفاوض هي المدى الذي تتضمنه الخطة الجديدة لحكومة نتنياهو، و توسيع التفويض الوفد المفاوض، وعودة بيرنز مجددا، بالتوصل الى صيغة تتضمن وقفا نهائيا للحرب، وفي هذا المجال تقول المعلومات التي نشرتها وكالة أكسيوس، أن المقترح الجديد ينقل النقاش حول الهدوء المستدام من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية، وهذا يعني إذا تفاءلنا لجهة قبول حكومة نتنياهو بإعلان وقف نهائي للحرب، فإن المقترح يعني أن تنتقل عبارة تبدأ المرحلة الثانية مع اعلان وقف اطلاق النار بصورة نهائية، لتصبح تبدأ المرحلة الثالثة مع اعلان وقف اطلاق النار بصورة نهائية، في أحسن الاحتمالات، وهذا يعني ان اطلاق سراح الأسرى من جنود وضباط جيش الاحتلال يفترض أن يتم قبل أن يبدأ العمل بوقف نهائي لاطلاق النار، بل بينما يكون التفاوض قائما على شروط التهدئة المستدامة، من انسحاب قوات الاحتلال الى فك الحصار، ووضع غزة بعد نهاية الحرب، أي أن المقاومة تفاوض وقد خسرت ورقة الأسرى، ولم يتبق الا الجثامين، والارجح هنا فشل التفاوض، لكن يكون نتنياهو قد استعاد الأسرى الأحياء، وهو يستطيع تبرير تأجيل استعادة الجثامين إلى ما بعد انتهاء العمل العسكري كليا، و ان قبلت المقاومة بهذه الصيغة يستطيع الاحتفال باستعادة الأسرى الأحياء والعودة للحرب، وان رفضت المقاومة يريد نتنياهو تحميلها مسؤولية افشال الجولة الجديدة، والمقاومة بين يديها معادلة لا تقبل المساومة، وجوةابها بسيط، ما دمنا سوف ننقل التفاوض على التهدئة المستدامة الى المرحلة الثانية، فلنتبادل الجثامين في المرحلة الثانية، وننقل الأسرى الأحياء من الجنود والضباط الى المرحلة الثالثة، و معلوم في هذه الحالة أن النص المرحل من الصيغة السابقة سوف يقول، لن تبدأ المرحلة الثالثة الا بعد اعلان الوقف النهائي لوقف اطلاق النار.
- التفاوض حتى الآن طبخة بحص، وما لم تكن زيارة بيرنز مرفقة بضغوط وقف إرسال السلاح الأميركي إلى جيش الاحتلال فإن زيارة بيرنز شعير بشعير لا قمح فيها، لأن نتنياهو ليس جاهزا للتسليم بالفشل عسكريا وسياسيا، وأن المقاومة تمسك زمام المبادرة وقادرة على فرض شروطها.
2024-05-24 | عدد القراءات 95