نقاط على الحروف 31/5/2024

لبنان السياسي أم فرنسا الدولية…وخطر الزوال؟

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- قبل أربع سنوات كان جان إيف لودريان وزير خارجية فرنسا وزار لبنان في إطار الضغوط الغربية التي استهدفت اطاحة خطة النهوض التي أعدتها حكومة الرئيس حسان دياب لصالح منظومة المصارف وحاكم المصرف المركزي وحلف الدائنين، ولتأكيد أن نهوض لبنان ممنوع دون طرح مستقبل دور المقاومة فيه على طاولة البحث، والتقى لودريان بالرئيس دياب وقال له بلغة صارمة أن لبنان ذاهب الى الموت ما لم يأخذ بالوصفة الغربية السياسية ليحصل على الوعود المالية المتمثلة بمؤتمر سيدر، وأنه إذا زار لبنان مجددا فيخشى أن تكون زيارة المشاركة في الجنازة، فما كان من الرئيس دياب إلا أن وقف معلنا نهاية الاجتماع قائلا أن لبنان لن يموت وأن اللبنانيين مصممون على الخروج من أزمتهم، وانهم ينتظرون ممن يحسبون أنفسهم أصدقاء أن يمدوا يد العون والمساعدة، لا أن يستغلوا المعاناة بهدف إملاء الشروط، ويومها قامت القيامة ولم تقعد، ولم يبق طرف الا وانتقد ما وصفه بالتصرف غير الدبلوماسي للرئيس دياب مع ممثل دولة صديقة، واستقال وزير الخارجية آنذاك بما قيل إنه على صلة بالمواجهة بين الرئيس دياب و الوزير لودريان.

- أول أمس كان لودريان يجول بين السياسيين، وسمع كلاما ينقصه الكثير من أدب السياسة ولياقتها على لسان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي أصر على التحدث أمام الإعلام بلغة تنقصها اللياقة عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتشكل استفزازا للمبعوث الرئاسي الفرنسي لودريان الذي جاء يشجع على وصفة التشاور تحت قبة مجلس النواب وفي ظل رئاسة رئيس المجلس بصور طبيعية، طلبا للتوافق الرئاسي، واذا استعصى التوافق الذهاب الى الانتخابات عبر جلسات متتالية كما يطلب جعجع وحلفائه، فقال جعجع لا للتوافق، ثم لا للحوار، وكأنه يقول ارحل يا جان ايف، لا نحتاج وساطتك، ونفضل البقاء دون رئيس، على أن نتوافق مع الفريق اللبناني الآخر، فلا غضب لودريان ولا قامت القيامة، ولم يقل أحد أن تعنت جعجع يؤذي لبنان ويمدد للفراغ الرئاسي، ويصيب أهم موقع مسيحي في الدولة، ويسيء العلاقة بدولة صديقة.

- خرج لودريان دون أن ينبس ببنت شفة، ثم قال في مكان آخر، أن لبنان ذاهب للزوال السياسي، مبتكرا نظرية جديدة في علم الاجتماع السياسي، بالحديث عن فرضية بقاء لبنان ككيان جغرافي لكن زواله ككيان سياسي، والسؤال الذي تطرحه هذه التهويمات اللودريانية هو لماذا جان ايف يبقى مسكونا بتهديدنا بالموت والزوال، ألا يملك طريقة خالية من التعالي والعنصرية والتعجرف لتقديم حاجة بلاده لدور في العالم، عبر لبنان، بعد انهيار الدور الفرنسي في أفريقيا واستحالة قيام فرنسا بلعب أي دور في أزمة أوكرانيا، ويبلغنا أننا نحتاجه ويحتاجنا، وان كلينا ضحايا التفرد الأميركي، وأن شراكة فرنسا تلطف من حدة هذا التفرد ولو أنها لاتملك القدرة على الاستقلال، وأن فرنسا إذا تمسك اللبنانيون بدورها تستفيد ويستفيدون، أليست هذه اللغة العقلانية أقدر على اقناعنا بالإصغاء والتعاون؟

- المؤشرات الواقعية تقول، أنه في الوقت الذي يعيش لبنان أزمة سياسية شديدة وأزمة اقتصادية قاسية، فإنه عبر مقاومته يظهر لاعبا إقليميا فاعلا، ما سوف يفرض له مقعدا حقيقيا بلا منة من أحد في كل ترتيبات المنطقة، بعكس فرنسا التي فقدت كل أوراقها، ومصادر حضورها، ولبنان سوف ينجح بصرف عائدات هذا الدور الذي حجزته له المقاومة في السياسة والاقتصاد، تسويات ومساعدات، لكن فرنسا التي ماتت عالميتها لن تفيدها تعويذات رئيسها وعنترياته على روسيا، وجبنه وتخاذله أمام "اسرائيل" كما قال له نواب فرنسا الأبية تحت قبة البرلمان، ولن تفيدها أيضا تهويمات لودريان ولا تهديداته.

 

2024-05-31 | عدد القراءات 102