لبنان: المقاومة و مكاسب حرب الشهور الثمانية
التعليق السياسي - كتب ناصر قنديل
- تتيح الحروب الطويلة للجيش وحركات المقاومة اكتشاف الكثير مما يصعب اكتشافه في الحروب الخاطفة والسريعة، سواء ما تكتشفه الجيوش والمقاومات عن نفسها أو عن عدوها، فالحروب الكبرى و القصيرة زمنيا، تعتمد على تحقيق اندفاعات جغرافية كبرى في الحرب البرية والحاق دمار قاتل بالأسلحة النارية في مناطق العدو الخلفية، وهذا يمنعها من اكتساب الخبرات والمهارات وتعلم كيفية التقرب من العدو واكتشاف نقاط ضعفه، وتدريب بنيتها العسكرية على كيفية استهداف العدو، وتحول بينها وبين تحقيق أهداف تراكمية تمنحها التفوق الاستراتيجي، ولهذا كانت الخبراء الاستراتيجيون في التاريخ يعتبرون أن حروب الاستنزاف هي الطريق لمعرفة من سوف يربح الحرب الكبرى.
- في الحرب الدائرة عبر الحدود الجنوبية نجحت المقاومة في تحقيق الكثير من الأهداف التكتيكية ذات القيمة الاستراتيجية، وخصوصا تدمير منصات الاستعلام والتنصت والتشويش التي أقامها جيش الاحتلال خلال سنوات طوال على كل الخط الحدودي بما يتعدى ألف وخمسمئة جهاز تحملها أعمدة عملاقة، وكذلك دفع مستوطني الشمال لتذوق مرارة التهجير التي طالما شرب الجنوبيون كاسها المر منفردين، لكن على المستوى العسكري كسبت المقاومة ميزات هائلة أخرى.
- يشارك الآلاف من المقاتلين على تخديم الجبهة والتناوب على مهامها، ويتاح لهم خلال هذه المشاركة التعلم واكتساب الخبرات، في التأقلم مع مناخ الحرب والتسديد بالأسلحة المختلفة واصابة الاهداف بدقة تتزايد كل يوم، كما تختبر المقاومة عبر قادتها وصفات متعددة لتعطيل القبة الحديدية وتكتشف أفضلها وتظهر نتائج تلك الاختبارات في السيطرة شبه المطلقة للمقاومة على أجواء شمال فلسطين، وتتعرف المقاومة على تفاصيل ويوميات القوى العسكرية الواقفة على الجبهة وخلفها، وباتت تعرف أسماء الضباط ومسؤولياتهم ومواعيد إجازاتهم وعاداتهم، وربما تعرفت على أسماء الجنود، ونقاط خدمتهم وتنقلاتهم.
- الخارطة الجغرافية والسكانية حتى عمق 50 كلم من الحدود باتت محفوظة عن ظهر قلب لدى العشرات من القادة العاملين في غرف العمليات، ونقاط الضعف فيها ونوعية الأسلحة التي تم نشرها عليها، والممرات التي يمكن سلوكها بأقل الخسائر إذا صدر أمر عبور الحدود للمقاومين، وتعرف المقاومة اليوم معنى أن النصر حليفها في أي مواجهة كبرى بصورة حسية تترجمها وقائع قابلة للسرد، وليس فقط بوقة اليقين العقائدي.
2024-06-04 | عدد القراءات 79