نقاط ع الحروف 29/6/2024

مناظرة الحمار والفيل وليلة انتحار الديمقراطية

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- يعود ظهور رمزي الحمار والفيل للحزبين الديمقراطي والجمهوري لعام 1870، تخليدا لاختيار المرشح الرئاسي الديمقراطي أندرو جاكسون لحمار رمادي كتب عليه شعار حملته الانتخابية "لنترك الشعب يحكم"، وراح يجول به بين القرى والمدن وفي الساحات والشوارع علامة على شعبوية الحزب، وتكرس الحمار رمزا للحزب الديمقراطي والفيل رمزا للحزب الجمهوري، مع الرسام الكاريكاتوري توماس ناست، الذي كرس الحمار الديمقراطي، واختار الفيل الجمهوري علامة على الضخامة وكثرة المال يحطم كل ما يعترض طريقه، بعدما ظهر الفيل رمزا للجمهوريين لأول مرة في حملة الرئيس ابراهام لنكولن.

- أمس مع نهاية المناظرة الرئاسية بين الرئيس جو بايدن كمرشح للحزب الديمقراطي والرئيس السابق دونالد ترامب كمرشح للحزب الجمهوري، كانت منازلة الحمار والفيل نموذجية، بايدن بحضور باهت وتعثر بين الحروف والكلمات أقرب للتأتأة، وبلادة غير مسبوقة وشرود ذهني اقرب للبلاهة، بينما كان حضور ترامب متناسبا مع الفيل الذي يحطم كل ما ومن يقف أمامه، غير آبه بأن يكون محقا أو أن تكون مواقفه مستندة إلى وقائع صحيحة، حيث الفجور والتوحش يحلان المشكلة، وكان ترامب كالفيل في متحف الخزف أمام بطء وبلادة حضور بايدن، الذي كان أقرب إلى روبوت نفدت الشحنات من بطاريته، يعيد ما يتم تلقينه به لكن دون أي كفاءة او حرارة او قدرة على التأثير، رغم الوقائع والتسلسل المنطقي، مقابل قيام ترامب بتطيير فيلة من العيار الثقيل، مثل قوله أنه لو كان رئيسا لما شن الرئيس الروسي حربه على أوكرانيا ولما قامت حركة حماس بهجوم الطوفان، بينما تقول الوقائع انه صمت على هجوم أرامكو وتهرب من مساندة حلفاء أميركا في الخليج، كما فعل يوم اسقطت ايران طائرة التجسس الاميركية العملاقة، وكانت روسيا في 15 شباط من عام 2017 ترد ساخرة على عرض ترامب برفع العقوبات مقابل التخلي عن قرار ضم شبه جزيرة القرم.

- المناظرة الرئاسية الأميركية قالت للعالم كله وليس للأميركيين فقط، أن الديمقراطية تحولت الى النظام الذي يضع الشعوب بين خيارين سيئين، وكما تحولت الديمقراطية من وصفة لتفادي الحروب الأهلية، بصفتها الأداة السلمية لتنظيم النزاعات وضمان تداول السلطة دون اللجوء إلى العنف، إلى وصفة للذهاب إلى الحرب الأهلية، حيث يقول الرئيس ترامب علنا، ومثله يفعل بنيامين نتنياهو، ومثلهما يفعل ايمانويل ماكرون، أن عدم وجودهم في السلطة، يعني الذهاب الى الحرب الاهلية، والمقصود بعدم الوجود في السلطة هو أن تأتي صناديق الاقتراع بنتيجة معاكسة لرغباتهم، ووفقا لترامب ان مؤيديه واثقون من فوزه، ولذلك فإن خسارته تعني ان تزويرا قد حصل، وهذا الجمهور سيجد نفسه مضطرا للدفاع عن أصواته المسروقة مهما كانت الطريقة ومهما كان الثمن، محذرا من أن فشله الانتخابي يعني الذهاب الى الحرب الأهلية، ونتنياهو يلوح لكل من يهدد بحرمانه من الأغلبية الداعمة لحكومته في الكنيست بالحرب الأهلية، وماكرون يقول للفرنسيين أن اليمين واليسار تطرف يقابل التطرف ومن دون فوز حزبه فانهما يقودان فرنسا نحو الحرب الأهلية.

- خلال عقود هبطت معايير العمليات الديمقراطية وهبط مستوى القادة، إلى أدنى المستويات، حيث أصبح المال والحملات الدعائية والتلاعب بخوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، عناصر كافية لصناعة حزب من العدم، عبر تشبيكات افتراضية وترشيح شخصية مغمورة، ووصولها إلى رئاسة دول عريقة في الديمقراطية هي فرنسا، كما حصل مع ايمانويل ماكرون، ومن يراقب مسار عشرية النار التي التهمت الأخضر واليابس في البلاد العربية وسميت بالربيع العربي، يستطيع أن يكتشف بسهولة أن هذا العملاق الديمقراطي الذي سمي، ب "الشعب يريد إسقاط النظام"، كان حصيلة زواج وسائل التواصل الاجتماعي مع قنوات فضائية عملاقة.

- عندما فازت حركة حماس بالانتخابات عام 2006، تحت رقابة مراكز عالمية مرموقة كان في مقدمتها مركز جيمي كارتر، رفضت واشنطن معاملتها على أنها حصيلة عملية ديمقراطية، وقالت واشنطن إن الديمقراطية ليست مجرد صناديق اقتراع، بل منافسة بين ديمقراطيين، وصار رديف الديمقراطية هو اللادينية، واللا مقاومة، ولاحقا التطبيع بدون انتخابات، واخيرا المثلية، ويبدو أن تمثال الحرية الذي أهداه الفرنسيون للأميركيين علامة تبادل القيم بين ديمقراطيتين عريقتين فرنسية وأمريكية يحتاج لمن يضيف انهمار الدموع إلى عيني التمثال، لهول ما شهد، وفظاعة ما يرتكب من فجور وجرائم باسم الديمقراطية، التي انتحرت ليلة أمس كي لا تشهد منازلة الحمار والفيل.

 

2024-06-28 | عدد القراءات 566