سميح التايه: قيم متساقطة

لو ان جوليان آسانج كرّس موهبته الاستقصائية في اختلاق الافتراءات على حزب الله وإيران وسوريا وكوريا الشمالية وفنزويلا ، لأقامت له أمريكا وبريطانيا وأستراليا و"إسرائيل " صرحًا في أهم ميادينها ، ولأغدقت عليه الجوائز والمكافآت المالية والعينية … ولكن الرجل آثر ان يفضح الممارسات البشعة اللاإنسانية للغرب وربيبته اسرائيل ، وان ينشر الجرائم ضد الشعوب التي ترتكبها تلك الاوليغارشيات ، فلوحق وطورد بلا هوادة لخمسة عشر عاماً ، وكاد ان يقع في براثن إمبراطورية الهيمنة لولا رحمة من السماء … اين حرية التعبير التي صدعوا رؤوسنا بها عبر العقود ، وفي كل المناسبات… يبدو ان حرية التعبير متاحة فقط لمن يردد كالببغاء سرديتهم البائدة الكاذبة ، ومن يتكلم فيما لا يحبونه يصبح مطلوبًا ملاحقًا مطاردًا خارجًا على القانون ، ويستحق كل ألوان العقوبات … يذرفون دموع التماسيح مدرارةً على امرأة واحدة ماتت في ظروف طبيعية ، ويدمغون ايران بالتوحش والاسراف في قمع الناس ، بينما لا ينبسون ببنت شفة ، ولا تقطر من أعينهم قطرة دمع واحدة على 13 الف امرأة فلسطينية ، قتلن ذبحًا وتقطيعًا وتجويعًا في غزة على أيدي الكيان القاتل الذي اصطنعوه ، ويخرج علينا كيربي ليقول … ان دولته لا ترى أي دليل على انتهاكات مهما كانت من قبل جيش الإحتلال ضد الشعب الفلسطيني … يملأون الدنيا عويلاً وصراخاً على الديموقراطية المذبوحة في بلاد تناصبهم جريمة الاختلاف والتعارض ، لأنها تسعى الى التحرر من ربقة تغوّلهم و هيمنتهم واستيلائهم على الثروات والمقدرات … وتصبح انظمة كتلك التي في ايران وسوريا وكوريا الشمالية وفنزويلا هي انظمة دكتاتورية شمولية قامعةً لشعوبها لأنها لا ترضى بالهيمنة الأمريكية … أما أنظمة الممالك السبعة ، حيث تصول وتجول العائلات المتخلّفة الحاكمة ، وتستحوذ على المال وعلى السلطة وعلى انفاس الناس ، فهي انظمة جيدة لا غبار عليها ، وليست مشكلة ان لا يكون لديها برلمانات ، ولا يعرفون ما هي صناديق الاقتراع … ومحمود عباس ، المنبطح حتى النخاع لإرادة أمريكا و"اسرائيل " ، يستطيع ان يحكم لمئة عام أخرى ، من دون انتخابات رئاسية او تشريعية او حتى بلدية ، طالما انه يبصم ويختم بالعشرة لأمريكا ولإسرائيل من دون جدل وبلا نقاش … القيم والشعارات الأمريكية والغربية وضعت لخدمة اهداف هذه الاوليغارشيات ، فحرية التعبير هي قيمة رائعة نتكلم عنها عالطالعة والنازلة طالما ان حرية التعبير هذه تتكلم عن فضائل وشمائل وشفافية هذا العرب ، اما اذا تطاولت على ممارساته وفظائعه وجرائمه وانتهاكاته للشعوب ، فإنها تصبح جريمة يعاقب عليها القانون … والديموقراطية وحقوق الإنسان وحقوق النساء والأطفال… فهي قيم لا تتحدث الا عن ديموقراطيتهم الرائعة الجميلة ، وانسانهم الذهبي واطفالهم ونساءهم البيض الميامين … وما عدى ذلك فلا حقوق ولا ديموقراطيات ولا يحزنون … خلاصة الامر أنه فيما يبدو ان الامم ، وقبل ان تتهاوى تتساقط قيمها كما تتساقط اوراق الخريف الذابلة … لتعطي الاشارة والإمارة للناس بأن عصر هذه الدولة او تلك الإمبراطورية قد ولّى ، وهو آخذ بالأفول و بالزوال ، فترقبوا ايها الناس تباشير النهاية .

سميح التايه 

2024-07-01 | عدد القراءات 47