هل نقترب من نقطة التحول في الحرب؟
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- مع تجربة عشرة أشهر من الحرب مليئة بالتحديات والمنعرجات، أثبت محور المقاومة قدرة قيادية عالية، سواء لجهة امتلاك رؤية واضحة لمسار إدارته لحرب طويلة لم تنجح محاولات استدراجه لخوضها بمنطق الانفعال أو الخوف أو التسرع، فهذه القيادة التي تحدت قوة الردع الأميركية منذ بداية الحرب بالإصرار على فتح جبهات الإسناد، وقالت حاملاتكم هذه قد أعددنا لها عدتها، حتى سلمت واشنطن بأن لا تهدئة لجبهات الإسناد دون وقف الحرب على غزة باتفاق تقبله المقاومة هناك، هي القيادة ذاتها التي لم تستجب للتفاعل مع دعوات التشكيك بجدوى جبهات الإسناد المطالبة بالتصعيد وصولا الى قصف عمق الكيان، ووضعت شعار الربح بالنقاط لا بالضربة القاضية، وهي القيادة ذاتها التي أثبتت أنها تملك خطة لجعل جبهات الإسناد سبب قلق ومصدر استنزاف للكيان، حيث نجحت جبهة جنوب لبنان بارباك جيش الاحتلال وتشتيته وتكبيده خسائر فادحة، ونجحت بخلق مشكلة متفاقمة مثلها تهجير المستوطنين وهي تضغط على الوضع السياسي الداخلي للكيان، بينما نجحت جبهة العراق بفتح ملف الانسحاب الأميركي من سوريا والعراق وارباك الحسابات الأميركية في المنطقة، فيما كانت جبهة اليمن في حال اشتباك مباشر مع الردع الأميركي للبحار، تفرض منع السفن المتجهة الى موانئ كيان الاحتلال من عبور البحر الأحمر، حتى جاءت جولة التصعيد الأخيرة وما تلاها من مفاوضات، تشير الى أن نقطة تحول جديدة في الحرب تقترب.
- بدأت ملامح نقطة التحول في الحرب على الطرف الأميركي، حيث استبدل خطاب تحذير قيادة الكيان من الذهاب الى التصعيد بتغطيته وحمايته في خوض غمار أعلى مراتب التصعيد، عبر استهداف بيروت وطهران، و قتل قائدين كبيرين فيهما، أن لدى واشنطن قراءة مغايرة لما كان عليه الحال من قبل، ووفقا لمنهج المرآة الاستراتيجية يمكن قراءة نقطة التحول الأميركية عبر مسارين، الأول تغير السلوك الأميركي نحو المزيد من الهجومية العدائية في حرب أوكرانيا، والثاني المزيد من الإهتمام الروسي بما يجري في المنطقة، وهذا يعني أن نقطة التحول لها محور هو تغير المكانة الدولية لحرب المنطقة، من وجهة النظر الأميركية، من حرب يجب أقفالها للتفرغ لمواجهة روسيا والصين، إلى نظرية وحدة الساحات الفلسطينية والأوكرانية والتايوانية وعزلها عن المنافسة الانتخابية الأميركية، كما قال قانون تخصيص 95 مليار دولار للساحات الثلاث، بإجماع نواب الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والإدراك الروسي لهذا التحول هو ما يفسر التحذير المبكر من جولة تصعيد قادمة الى المنطقة قبل التصعيد الاسرائيلي، وما يفسر الانتباه الروسي لضرورة تعزيز القدرات الدفاعية لكل من ايران وسورية في مواجهة احتمالات التصعيد.
- ادارة واشنطن لمسار التفاوض بصورة أقرب الى التماهي مع حكومة بنيامين نتنياهو، يطرح سؤالا جوهريا حول مبرر البقاء على الموقف المنفتح لفرضية وجود حاجة لوساطة تقودها واشنطن، وهي وساطة تتحول الى منصة لتجريم المقاومة وتحميلها مسؤولية فشل المفاوضات واستمرار الحرب، والبديهي هو ان تعلن المقاومة الانسحاب من المفاوضات التي تقودها واشنطن مع تقدير ظروف الأطراف العربية المشاركة التي لا حول لها ولا طول، وأن تكون نقطة التحول الأولى في الحرب هي التوجه الى مجلس الأمن الدولي الذي لم تستطع واشنطن تجاهل حاجتها له للتصديق على مبادرة الرئيس جو بايدن لمنحها صفة الشرعية الدولية، فلماذا يكون مستغربا أن تنطلق المقاومة في غزة من معادلة القرار 2735 الصادر عن المجلس بموافقة وطلب وتشجيع واشنطن، وأن تطلب من مجلس الأمن وضع يده على آلية تنفيذ القرار بعد وصول المفاوضات الى طريق مسدود، وإذا كان العامل الحاسم لبلوغ وقف الحرب هو وصول قيادة كيان الاحتلال الى الاقتناع بأن كلفة الحرب باتت أكبر من كلفة وقفها، فإن حدوث ذلك تحت مظلة مجلس الأمن يضمن موازين قوى دولية أفضل بكثير من التفرد الأميركي، وحدوث ذلك تحت مظلة قرار رسمي صادر عن مجلس الأمن الدولي غير قابل للتلاعب كما هو حال الأوراق التفاوضية التي يحملها الموفدون والوسطاءن ويكتبها الأميركي على هواه لتخفيف العباء عن الكيان وتحقيق المكاسب لحسابه، ومثال القرار 1701 حاضر على هذا الصعيد.
- نقطة التحول الثانية تمثلها الرسالة التي وجهتها المقاومة في غزة إلى المقاومة اللبنانية، والتي تعبر عن تلاقي الفصائل الفلسطينية في غزة وخصوصا حركتي حماس والجهاد الإسلامي على تقدير وجود نقطة تحول في مسار الحرب، استدعى هذه الرسالة المفعمة بروح التقدير والشراكة للمقاومة في لبنان وسيدها، والتي تخلص للقول، "لقد أخطأ العدو في تقديراته وحساباته ونحن متيقنون من أنكم ستؤدون مهمتكم بكل جدارة، وسنرى بأسكم وجهادكم نافذا بحول الله، أنتم وبقية إخواننا في محور المقاومة من إيران الإسلامية إلى سوريا العروبة، إلى العراق الأبي، وصولا إلى اليمن العزيز الذي حفر في التاريخ الإسلامي والعروبي بالدم والبارود أروع معاني الانتماء لفلسطين وقضيتها، فقد حان اليوم أيها الأبطال المجاهدون التقدم نحو فتح باب خيبر من جديد، والعمل لزوال "إسرائيل" من الوجود"، بما يعنيه هذا النداء من الدعوة للانتقال بالحرب الى مرحلة جديدة، تحت سقف الربح بالنقاط، لكن النقاط الكبرى.
2024-08-21 | عدد القراءات 65