لا حل سياسي لصراعات الكيان الداخلية
التعليق السياسي - كتب ناصر قنديل
- منذ أكثر من سنتين وصل اليمين الديني والقومي إلى الحكم في كيان الاحتلال، وبدأ الترويج لمفاهيم ومشاريع ترتبط بتغيير هوية الكيان ومحاولة السيطرة على قراره بعيدا عن مؤسساته التقليدية وفي طليعتها القضاء، ورغم أن تغيير النظام القضائي كان هو عنوان المواجهة المفتوحة التي اندلعت بين تيارين كبيرين في الكيان كما ظهر من حجم تيار التطرف في الكنيست وإمساكه بالحكومة وحضور التيار المعارض في تظاهرات شارك فيها مئات الآلاف، إلا أن النظرة لدور الكيان الدولي والإقليمي كان حاضرا من خلال نظرة ثقافية واستراتيجية للمتطرفين تريد التحرر من صورة الامتداد للغرب والارتباط به، مقابل نظرة معاكسة لا ترى إمكانية حياة للكيان أو للحياة فيه خارج توصيفه كقطعة من الغرب تحظى بحمايته.
- جاء طوفان الأقصى وبدا أن الكيان يتوحد شارعا ومؤسسات وقيادات وراء الانتقام الوحشي، وحظيت كل المجازر و الارتكابات بدعم كل شرائح الكيان وفئاته، وسقطت نظرية وجود يمين ويسار في الكيان، بل يمين محلي قبلي متوحش يقابله يمين علماني غربي، وكان المواجهة بين الصهيونية و"اسرائيل"، وهما تتحدان في مواجهة الفلسطينيين، الصهيونية كحركة عالمية مرتبطة بالغرب، و"اسرائيل" كيان صنعته الصهيونية ويريد الجيل الجديد فيه الاستقلال وبناء نموذجه الخاص، وليس بينهما من يدعو لحل سياسي للقضية الفلسطينية، أو من يؤمن بقيام دولة فلسطينية، او من يدعو للانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وبقيت نظرية الأمن المبنية على الاحتلال والتفوق والتوحش تجمع التيارين.
- الفارق بين التيارين يبدأ بالظهور كلما بدت الحرب أكثر تعقيدا واظهرت المزيد من المصاعب، وبدت بلا أفق، وتحتاج الى المزيد من التضحيات بلا رؤية واضحة لتحقيق النصر، واذا استخدمنا توصيف التيار الإسرائيلي الصهيوني مقابل التيار الغربي الصهيوني، أسوة بالتوصيف الذي استخدمناه للحديث عن أميركا صهيونية يمثلها جو بايدن والحزب الديمقراطي، واميركا اسرائيلية يمثلها دونالد ترامب والحزب الجمهوري، يمكن القول أن التيار الاسرائيلي يقول لا مشكلة بالتضحية بالأسرى إذا كان ذلك يسهل خوض الحرب، ولا مشكلة بتحمل تبعات حرب استنزاف تؤدي للشلل الاقتصادي والاجتماعي وخسارة تأييد الغرب ثقافيا واعلاميا وبدء خسارته سياسيا، إذا كان البديل هو حل سياسي يمنح المقاومة ربحا بالنقاط، أما التيار الصهيوني فيقول إن الحرب يجب ان تدار بما يبقى الكيان جزءا من الغرب، فهذا شرط البقاء والحماية، حتى لو كان الثمن تعديل المقاربات التي تدار الحرب على أساسها، بما فيها الاستعداد لإنهاء الحرب بانتظار ان يكون الغرب جاهزا لجولة جديدة، والقبول بشروط تضمن على الأقل استعادة دورة الحياة والأسرى وأخذ الوقت اللازم لاعادة بناء المقدرات التي تضررت، وربط النزاع عند نقطة متفق عليها مع الغرب ضمن المواجهة التي يخوضها بقيادة أميركا ضد إيران ومحور المقاومة على مساحة المنطقة، وهي مواجهة لم تنته بعد ولا يمكن خوض مواجهة منفصلة عنها.
- هذا الصراع القديم المتجدد في الكيان صار عميقا وتوقعت مجلة الفورين أفيرز أن يستمر بعد انتهاء الحرب ليضع الكيان بين ثلاثة سيناريوهات، انفصال مستوطنات الضفة الغربية بحكومة مستقلة، أو حرب أهلية بين مستوطني مسلحين وأجهزة ومؤسسات الكيان التي تمثل قلب التيار الصهيوني العلماني، فيما يتجه السيناريو الثالث لتوقع أن يؤدي الانقسام الى صراع سياسي يضعف الكيان ويتكامل مع التراجع الاقتصادي والهجرة المعاكسة بما يجعل الكيان "دولة فاشلة".
- النقطة الحرجة التي يدخلها الصراع بين التيارين تتمثل بعجز التيار الحاكم، وهو التيار "الإسرائيلي الصهيوني" عن تقديم وصفة للنصر، أو للتقدم في تحقيق انجازات في معركة الردع مع جبهات الحرب المتعددة، فيما يرى التيار الصهيوني الغربي حجم خسائر الكيان في الغرب وحجم الأثمان المترتبة على مواصلة الحرب في ظل عدم جاهزية الغرب للانخراط فيها، وعجز الكيان عن تحقيق انجازات فيها بقدراته الذاتية، واحتمال تحولها إلى هزيمة استراتيجية بسبب العجز عن التخلي عن أوهام تحقيق انتصارات تكتيكية، كما حذر وزير الدفاع الأميركي قبل شهور.
- اليوم يتحول هذا الصراع إلى أحد العناصر الحاسمة في تكوين المشهد الجديد بما في ذلك موازين الحرب نفسها، ويشكل التعبير الأشد قوة ووضوحا عن مأزق الكيان الوجودي والأمني والسياسي، ليشكل قوة دفع لا يمكن تعطيلها، لإلحاق المزيد من الأضرار بالكيان والتسبب بمزيد من نقاط الضعف لقدرته على خوض الحرب، ولأن هذا الصراع يعيش ذروة الزخم وينمو ويكبر، فهذا يعني ان الحرب كمشروع هي أول المتضررين، وأن ديناميكية الصراع تحولت الى عامل حاسم في انهاء الحرب.
2024-09-03 | عدد القراءات 80